ويأتي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم فيخوض المعترك الثالث معترك (لا إله إلا الله) مع (لا إله والحياة مادة) فيجلس في مجلسه يلقي رسالة التوحيد بعمق ويؤسسها في القلوب بأصالة، ويغرسها في الأرواح بحب، يدخل عليه العاص بن وائل الوثني، ويأخذ عظماً ويحته ثم ينفخه ويقول: يا محمد! أتزعم أن ربك يحيي هذا بعد أن أماته؟! قال: نعم ويدخلك النار.
يحييه ولا يكفي هذا بل تدخل أنت النار، ويقول الله للملحد الزنديق: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً} [يس:78] عجيب!! أتى يضرب الأمثال اليوم وقد كان أعمى أصم في عالم العدم، قال تعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً * إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} [الإنسان:1 - 3] عجيب!! لقد أصبحت الآن تضرب الأمثال!!
أعلمه الرماية كل يوم فلما اشتد ساعده رماني
وكم علمته نظم القوافي فلما قال قافية هجاني
يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس:78] الجواب سهل، فالذي بدأ الطريق هو الذي ختمها، والذي أتى بالمقدمة هو الذي أتى بالخاتمة {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ} [يس:79 - 80] وهذا درس للدعاة؛ أن يضربوا الأمثال العقلية في دعوتهم، وأن يقربوا المنقول بالمعقول؛ عل الناس أن يفهموا هذه الأمثال.