حكم الإسلام في المستهزئين بالشريعة

يقول سبحانه عن هؤلاء الشرذمة الباطلة التي تتعدى على الشريعة في جلساتها: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} [البقرة:14 - 16].

أعرف أحد الناس دائماً يستهزئ بالشرع، جلس مع بعض المشايخ، فقال: يا شيخ! هل كل أحاديث رياض الصالحين صحيحة سليمة؟

قال: نعم.

إلا أن بعضها ضعيف.

قال: الحمد لله، أريد أن أعتمد عليها، يعني: من باب المناورات، من الورع يريد ألا يعمل بحديث ضعيف مع العلم أنه يطعن في الحديث الصحيح، ويطعن في الآيات، وبعضهم -إي والله- وهو لا زال حياً يرزق ونعرفه، يقول لأحد المشايخ: الآن تقولون: إن الله عز وجل يعلم ما في الأرحام، وخمسة استأثر الله بعلمها مع العلم أن الأمريكان والفرنسيين والبريطانيين علموا ما في الأرحام، فكيف أنتم دائماً تتكلمون بهذا؟ الواجب أنكم تقفون مع العلم الحادث، وهذه تكفي في كفره.

والآية ليست تقصد ما قصد هو لا من بعيد ولا من قريب، لكن هكذا تفعل التربية التي لا تكون على المسجد، ولا على القرآن والسنة والطهر والعفاف، يقول سبحانه: {فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة:79] والمنافقون يقولون: {مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً} [الأحزاب:12] وقد فعلوها وكرروها دائماً مرات كثيرة، وأذكر على سبيل المثال: أن الإنسان إذا دعى إلى التبرع للمجاهدين الأفغان فيلتقي بأحد الناس يقول: هؤلاء المجاهدون الذين تطلب التبرع لهم هل يغلبون روسيا؟ أنت مجنون أو عاقل؟! أو يغلبون الاتحاد السوفيتي؟! لقد جعلوا هذه الأصنام البشرية كأنها لا تغلب أبداً، وقد كلموا بعض قادات الجهاد مباشرة، وقالوا: لا يمكن أن المجاهدين يغلبون الروس، لكن المجاهدين أروهم أن الإيمان يغلب الكفر، وأن لا إله إلا الله تدكدك مستعمرات الجاهلية وتخرب ديار الذين انحرفوا عن منهج الله، وخرج الروس البلاشفة الحمر وهو يعلنون إشارة الخزي والعار على رءوسهم:

فروا على نغم البازوك في غسق فقهقهت بالكلاشنكوف نيرانُ

والأكراد ضربوا بالكيماوي وما غضب أحد، أبناء صلاح الدين وأبناء صاحب لا إله إلا الله، وانظر ترجمة صلاح الدين، فهو مسلم موحد أشعري العقيدة، شافعي المذهب، لكن إذا قارنَّا أشعريته مع إلحاد الملحدين وزندقة المتزندقين عذرناه، لأننا أقررناه، ولكنا نحبه؛ لأنه نَصرَ لا إله إلا الله، ونعلم أن هذه الجزئيات خطأ في حياته، ولكنه مع ذلك يتمسك بحبل الله.

كان يبدأ هجومه في الساعة السادسة ظهراً، فجعلها تبدأ مع صلاة الجمعة، إذا بدأ الخطباء أعلنت حالة الاستنفار وساعة الصفر.

فلماذا اختار الساعة السادسة؟

قال: إذا صعد الخطباء في العالم الإسلامي رجوت دعوتهم من الله فنصرت بإذن الله، وحضر المعركة وبدأ، ولما صعد الخطباء على المنابر يدعون الله لـ صلاح الدين، لأن معركة حطين هزت العالم الإسلامي، فمعنى حطين نكون أو لا نكون.

معنى حطين: إما أن تكون أمة إسلامية في الأرض أو يسحقها الصليبيون ويضربون عليها أبد الدهر.

لما تولى العرب إلى الغانيات والجواري وعزف الوتر، وما يطلبه المستمعون وافتح يا سمسم؛ أتى صلاح الدين الكردي تحت مظلة: {فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ} [الأنعام:89] والشريعة ليست ملكاً لي ولا لك، متى ما نتخلى عنها يحملها الهنود أو الأتراك أو الأفغان أو الأكراد، كل من يحمل لا إله إلا الله فهو مرشح لها، لأن الجد أبو جهل الخاسئ الذي لا نعترف به أنه جد؛ كفر بلا إله إلا الله عند الحطيم والحجر الأسود، يشرب الخمر في المسعى، لماذا؟ لأنه لا يعترف بلا إله إلا الله، لكن بلال الحبشي يأتي من الحبشة وهو يقول: لبيك اللهم لبيك، وصهيب يأتي من الروم، يقول: الله أكبر، وسلمان يأتي من أرض فارس وهو يقول: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.

وبدأ صلاح الدين وأشعل المعركة وانتصر وفتح بيت المقدس، وصلى الجمعة الثانية في الصف الأول، وكان القادة الأكراد بجانبه، يقول المترجمون: قبل المعركة قرأ قليلاً من سورة الأنفال وكان يبكي ويقول: يا حي يا قيوم! ثم قرئ عليه من موطأ مالك فهو يحب الموطأ كثيراً، وهذا موجود في ترجمته، فقرأ أحاديث الجهاد من كتاب الجهاد، ثم بدأ الهجوم، وفي الجمعة الثانية قام شمس الدين الحلبي الخطيب الشهير، وكان خطيباً ذاك اليوم وارتقى المنبر ليحيي صلاح الدين في أول جمعة بعد أن سقط بيت المقدس في يديه من بعد فتح عمر، يحييه في هذا الفتح العظيم، أتدرون بماذا يفتتح الخطبة؟

اسمع، يقول: الحمد لله مجري السحاب، منزل الكتاب، هازم الأحزاب.

الحمد لله وحده، الذي نصر عبده، وهزم الأحزاب وحده وأعز جنده، ثم قال:

تلك المكارم لا قعبان من لبن وهكذا السيف لا سيف ابن ذي يزن

يقول: هكذا سيفك لا سيف ابن ذي يزن حاكم اليمن الوثني:

تلك المكارم لا قعبان من لبن وهكذا السيف لا سيف ابن ذي يزن

وهكذا يفعل الأبطال إن غضبوا وهكذا يعصف التوحيد بالوثن

فالأبطال إذا غضبوا لاينددون ويشجبون فقط.

بل يغضبون غضباً كغضب صلاح الدين.

ثم وأقام صلاح الدين الفتوى وفتح المدارس في المسجد الأقصى فرحمه الله كما يقول ابن كثير: سقى الله تلك العظام شآبيب الرضوان، وجمعنا به في دار الكرامة.

والمقصود: أن المنافقين يقولون: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً} [الأحزاب:12] ويعيشون حالة من الرعب والرهق، أما فنلتجئ إلى الله، إذا التجأ البعثي إلى البعث وميشيل عفلق، التجأنا إلى الواحد الأحد، إذا التجئوا إلى:

آمنت بـ البعث رباً لا شريك له وبالعروبة ديناً ما له ثاني

التجأنا إلى حسبنا الله ونعم الوكيل.

فهذه هي مصداقية العقيدة متى أرادها الناس.

أيها الناس: إنه خطر على المتهوكين في الشريعة الخائضين فيها أن يرتدوا عن هداية الله ودينه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة:54].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015