العنصر الثاني: تذكر لقاء الله عز وجل والإعداد لذاك اليوم العظيم، فلم يفطر قلوب الموحدين إلا لقاء الله، وكان عمر يقسم قسماً وقد صح عنه هذا: [[لولا القيامة لكنت غير ما ترون]] والله! ما رد كثيراً من الأقوياء من المسلمين عن بعض الأفعال إلا يوم القيامة.
ويوم القيامة كان في ذاكرة السلف الصالح كالصداع، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَد} [الحشر:19]
المهدي الخليفة العباسي، وهو جيد بالنسبة للجرح والتعديل، فهو خير من أبيه في المعتقد، وكان مترفاً، قصور هائلة وأموال طائلة وكنوز وذهب وفضة، ولكن لما جاءه الموت ما أغنت عنه قصوره، نظم فيه أبو العتاهية قصيدة رائعة رائدة، وقد أتى الموت فافترس المهدي وسقاه كأس المنون.
وأتى الوزراء يحملون جثمانه، فقد أصبح جثة هامدة لا يسمع ولا يرى، يقودونه إلى حفرة من حفر النار أو روضة من رياض الجنة، يقول أبو العتاهية وهو يشيع الجثمان:
نح على نفسك يا مسكـ ـين إن كنت تنوح
لتموتن وإن عمرت ما عمر نوح
ثم التفت إلى بنات المهدي ووجدهن يبكين -وقد كانوا في القصر- والدموع تسيل على الخدود قال:
رحن في الوشي وأصبحن عليهن المسوح
إلى إن قال:
كل بطَّاح من الناس له يوم بطوح
ستر الله بنا أن الخطايا لا تفوح
كل من يبطح الرجال يبطحه الله، كان هذا الخليفة يبطح الملوك، ولكنه أتاه بطاح الملوك، الذي بيده مقاليد السموات والأرض: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لأَنفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً} [الفرقان:3].
دس ملك الملوك في أنف فرعون الطين، وقتل النمرود ببعوضة، ودكدك سد مأرب بفأرة.
كان سحبان بن وائل يفتخر عند معاوية ويقول: نحن أهل اليمن ونحن كيت وكيت، فقام له رجل من المسلمين، وقال له: اسكت! دل عليكم هدهد، وهدم سدكم فأرة، ونغص عيشكم وزغة، فلماذا تفتخرون؟!
{وَإِنْ يَسْلُبْهُمْ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} [الحج:73].