الأمر الثاني: أن رمضان شهر للتقوى، فالنفس تذوب في رمضان وتكف جماح المعصية، وتلجم العين، وتنكسر الأذن، فلا تسمع الخنا، فالأعواد والموسيقى تسكت في رمضان ليتكلم القرآن، والبيوت تؤسس على نقاء في رمضان، والأكباد تجوع وتظمأ للسلسبيل الذي يشربه الصائمون إن شاء الله.
يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183] فالسر في رمضان أنه تقوى، وأنه يثمر الخشية في قلب المسلم، وفي الصحيحين من حديث ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يا معشر الشباب! -وإنما وجه الخطاب للشباب؛ لأنهم أهل الثوب القشيب وأهل القلوب الحية، وأهل الطاقة الكامنة التي إن وجهتها إلى الطاعة أفادت، وإلى المعصية عربدت- يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء} ووجاء: أشبه بالخصاء، لأنه يذوب معه البطن والكبد فلا تبقى نوازع الشر؛ لأن نوازع الشر في الدم، والشيطان يجري في الإنسان مجرى الدم، والدم إنما يغذى بالطعام والشراب، ولا يقلص الطعام والشراب إلا الصيام.