فمعنى: {لا يعز من عاديت} أنه لا يجد العزة أبداً، فالعزة محصورة لله ولرسوله وللمؤمنين، وهذه العزة يجدها العبيد والموالي في أبسط صور الحياة.
عطاء بن أبي رباح مفتي مكة، كان مولى مفلفلاً مهلهلاً أعتق من امرأة، فأتى سليمان بن عبد الملك يريد أن يستفتيه قال لـ سليمان: انتظر مع الناس حتى يأتي دورك، فقال سليمان لأبنائه: تعلموا العلم واتقوا الله، فوالله! ما أذلني أحد من الناس إلا هذا العبد هذا اليوم.
لماذا؟ {إنه لا يعز من عاديت} ولماذا؟ {إنه لا يذل من واليت} وهذا أمر معلوم بالفطر والأخبار والواقع والتاريخ: {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} [الأحزاب:62].
قال وزاد: {وصلى الله على النبي عليه الصلاة والسلام} ونحن نصلي عليه دائماً، فالدعاء لا بد أن تطعمه بالصلاة عليه، وهذه رواية يضعفها بعض العلماء ولكن: المعنى صحيح، فالصلاة تقدم في أول الدعاء وفي أوسطه وآخره، صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الحاكم وابن حبان: في رواية الحسن: {علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم في وتري إذا رفعت رأسي ولم يبق إلا السجود} والمعنى: في آخر ركعة إذا رفعت من السجود وقلت: سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد، حمداً طيباً مباركاً فيه، أن ترفع يديك ثم تبدأ بهذا الدعاء العطر، وإذا كان معك أناس وأنت تدعو بهم، فقل: اللهم اهدنا في من هديت، وعافنا في من عافيت، وهو من أجمل الدعاء! ولا يصوغه إلا محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يستطيع لهذه الجوامع من الكلم إلا هو، فإنه غذي بهدي النبوة صلى الله عليه وسلم وشرب رحيقها، وعاش في حديقتها، وابتنى دارها، فهو يقول: {أوتيت جوامع الكلم وفواتحه وخواتمه، واختصر لي الكلام اختصاراً} أما حديث: {أنا أفصح من نطق بالضاد} فلا يصح: {بيد أني من قريش} لا يصلح، بل هو أفصح من تكلم بالضاد عليه الصلاة والسلام وأفصح الناس جميعاً.
وفي هذا تتجلى أسرار البلاغة والعمق في كلامه عليه الصلاة والسلام، فإنك إذا قارنت كلامه بكلام غيره، بان لك الخلل والبون الشاسع، فانظر كيف حوى سعادة الدنيا والآخرة في هذه الكلمات! فبدأ بالهداية، ثم الولاية، ثم الرعاية، ثم الكفاية، ثم أتى صلى الله عليه وسلم بالعافية، ثم ذكر الأبدان، ثم الأموال، ثم ذكر المستقبل في الآخرة، ثم أمر الدنيا، ثم ختم عليه الصلاة والسلام بالصلاة عليه ليرتفع الدعاء.