أولاً: شروطها، وهي ثلاثة شروط:
الأول: العزم؛ أن تعزم من هذا المكان وهذا الوقت على ألا تعود إلى ما أخطأت.
الثاني: الندم على ما فات؛ دائماً تتقلب وتتأوه؛ فإن وله النادمين وتأويه الباكين أحب إلى الله عز وجل من عمل العابدين العاملين، وقال عمر: [[اقتربوا من أفواه التائبين فإنهم يلقنون الحكمة]].
وقد مر في الحديث الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم: {قال رجل: والله لا يغفر الله لفلان، فقال الله: من الذي يتألى عليَّ؟ أشهدكم يا ملائكتي أني قد غفرت لهذا وأحبطت عمل هذا فليستأنف العمل} فذاك اغتر بعمله وفخر، وذاك انكسر فغفر الله له.
وروي عن عيسى عليه السلام: أنه ذهب إلى بيت المقدس، ومعه رجل من العصاة وهو من أهل الخمر والسرقة، فأراد عيسى عليه السلام أن يدخل بيت المقدس فقال السارق وشارب الخمر: مثلي لا يدخل بيت المقدس لأني أدنسه؛ فأوحى الله إلى عيسى: يا عيسى! أخبره وبشره أني قد غفرت له ما تقدم من ذنبه.
ما دام انكسر وأقر واعترف.
وقفنا على الباب يا ذا الفلك وجئنا ببابك والملك لك
ذرفنا الدموع فسارت شموعاً وقلبي من الحب سبح لك
لا يفتح لك باب إلا بابه، وليس لك حبل أقوى إلا حبله، وما معك طريق إلا طريقه.
يقول زين العابدين علي بن الحسين بن علي: قمت في آخر الليل أطوف بالبيت؛ فإذا بشاب متعلق بستار الكعبة يقول: يا رب! من يقبلني إذا رددتني؟ قال: فجلس يبكي عند المقام حتى خر مغشياً، فأتيت إليه فإذا هو قد مات.
هذا موجود في التاريخ والتراجم، وقالوا لـ علي بن الحسين وهو مثال لشباب الإسلام- قالوا له: قل لبيك اللهم لبيك.
وهو حاج على الناقة قال: أخشى أن ألبي وفي نفقتي شيء، فيقال: لا لبيك ولا سعديك.
قالوا: لبِّ؛ فلبى فغشي عليه وسقط كما قال ابن كثير، وكما يقول فيه الفرزدق:
هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله بجده أنبياء الله قد ختموا
يغضي حياءً ويغضى من مهابته فما يكلم إلا حين يبتسم
في كفه خيزران ريحها عبق من كف أروع في عرنينه شمم
يكاد يمسكه عرفان راحته ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم
ومنها -أي من شروط التوبة- رد المظالم إلى العباد: فترد مظالم العباد التي أخذتها: الأموال، الأراضي، السيارات، الممتلكات، أما أن تأخذ أموال الناس وتسرقها، وتحلف على ديون الناس وتقول: تبت إليك يا رب! فليست بتوبة؟! حقوق الناس مبنية على المشاحة وحقوقه تعالى مبنية على المسامحة، أنت إذا أذنبت على الله من الأرض إلى السماء، ثم تبت إليه غفر لك، وإذا أذنبت مع العبد، فأخذت من حقه، بقي معك حتى يلحقك يوم القيامة.
قال: {رحمة الله واسعة.
قالوا: إذاً نكثر.
قال: الله أكثر}.
هذا الشافعي حضرته سكرات الموت، فلما ضاقت به الضوائق -وكان شاعراً لبيباً- رفع الوسادة وتلفت إلى السماء وقال:
ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي جعلت الرجا منى لعفوك سلما
تعاظمني ذنبي فلما قرنته بعفوك ربي صار عفوك أعظما
فلا أعظم من عفوه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.