بسم الله الرحمن الرحيم.
ثم بدأ بمقدمة يخاطبني، وبَجَّلَ -جزاه الله خيراً- وذكَر وأثنى، ثم قال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله العلي العظيم، القائل في محكم التنزيل: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13] وقال عليه الصلاة والسلام: {لا فضل لعربي على أعجمي، ولا أبيض على أسود إلا بالتقوى} وقال الصادق الأمين عليه الصلاة والسلام: {إذا جاءكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه، إن لم تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير}.
أيها الحبيب الفاضل: أنا أتقدم بسؤالي أريد أن أفهم بعض الأمور الدنيوية من خلال الإجابة، وأرجو أن تجيب ولا تكتم الحق، وأن توضح لنا البرهان، وأن تتقي الله فيما تقول، فقد وثقنا فيما تقول.
Q هل الإسلام حرم الزواج من المرأة أو الرجل الغير قبلي للقبلي؟ ومقصوده: هل يحرُم أن يتزوج القبلي من غير القبلي؟ -أو العكس، أي: بمعنى أصح: الطرف من الأصل أو العكس وربما سماه بعض الناس خط مائتين وعشرين, وخط مائة وعشرة.
وسمعتُ حديثاً عن الرسول صلى الله عليه وسلم فيما معناه: {تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس} وحديثاً آخر، يقول صلى الله عليه وسلم: {تنكح المرأة لأربع: لجمالها، ولمالها، ولنسبها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك} فهل يعني اختيار النسب هنا: أن نمنع زواج القبليين من غير القبليين من أهل الحرف الموجودين في مجتمعنا المسلم الذين يصلون ويصومون ويتبعون الرسول عليه الصلاة والسلام؟ وما معنى ذلك إذاً؟
أرجو أن توضح، وأن تتقي الله في التوضيح.
صلى الله عليه وسلم في هذا السؤال صراحة وشجاعة وتهديد.
أولاً: قبل أن أبدأ أفصل لكم الحكم على الأحاديث التي وردت في الرسالة:
حديث: {لا فضل لعربي على أعجمي} حديث حسن.
حديث: {إذا جاءكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه} حديث صحيح، رواه: الترمذي.
حديث: {تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس} لا يصح عنه عليه الصلاة والسلام وليس من كلامه.
حديث: {تنكح المرأة لأربع} متفق عليه وهو في الصحيحين.
ثانياً: أقول لهذا الأخ: حيَّاك الله وبيَّاك، وأبشر ثم أبشر أني سأقول الحق، الذي أعتقد أنه الصواب، وأقول باختصار، ثم أفصل: من زعم أنه لا يجوز للقبلي أن يتزوج من غير القبلي فقد أخطأ، وقد خالف سنة الرسول صلى الله عليه وسلم والنسب هو الدين، وإن من اتقى الله، وعمل بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وكان أقرب إلى الله فهو أقربنا إليه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وهو أكرمنا وأحبنا إليه، قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات:13] وقد هدد عليه الصلاة والسلام وندد، وشجب التمييز العنصري، وحارب صلى الله عليه وسلم من أراد ذلك في الأمة، ونادى يوم عرفة: أن: {لا فضل لعربي على عجمي، ولا لأبيض على أحمر إلا بالتقوى} وقرب صلى الله عليه وسلم أجناس الناس بـ (لا إله إلا الله) قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:63] ودخل بلال وهو عبد حبشي الجنة بـ (لا إله إلا الله) وأما أبو لهب وهو سيد قرشي، وأبو جهل، وهو أصيل قرشي، فقد دخلا النار لأنهما كفرا بهذا الدين.
وقد زوج صلى الله عليه وسلم بعض الموالي من أسر قريش، وتزوج بعض أسر قريش من الموالي زواجاً شرعياً صحيحاً، على ملة الله عز وجل وعلى كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وأما الذين يدعون أن هذا مخالفة شرعية، ويستدلون ببعض الأحاديث الضعيفة، فما صدقوا في هذا، وقد أخطئوا خطأً بيناً، وهذه حرب شعواء يستغلها أعداء الله عز وجل من الكفرة والملاحدة، فيهجمون على هذا الدين، ويقولوا: انظروا لدين المساواة والعدل والفضيلة، يأتي فيميز بين القبلي وغير القبلي، ومن قال لنا: أن هناك قبلياً وغير قبلي؟! إلى من ينتهي السند؟! من هو الأب الأكبر؟! من أين أتانا القبلي وغير القبلي؟! من آدم وحواء.
إذا فخرت بآباء لهم شرف نعم صدقتَ ولكن بئسما ولدوا
أتى سلمان وهو فارسي، وتزوج من قريش، ويروى عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: {سلمان مِنَّا آل البيت}.
ولما بُعِثَ محمد عليه الصلاة والسلام كانت الأسر تفخر بأسرها، والقبائل تفخر بقبائلها، وأهل المجد يفخرون بأمجادهم، الآثم منهم والجاهلي، فلما أتى صلى الله عليه وسلم أتى بشمس: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات:13].
فالفضل فضل التقوى، والحسب حسب الدين.
فيا أيتها القبائل: اتقي الله في هذه الأسطورة الجاهلية، والطاغوت الذي فعلتموه، ورضيتم به، وهو عدم التزاوج بين القبلي وغير القبلي.
أنا أعرف أن الناس يستصعبون ذلك، لكنه لو قام أهل العلم والدعوة والتوجيه والرأي، وأهل الحل والعقد، فإنهم سوف ينهون هذه المسألة التي تخالف الدين الإسلامي الحنيف الذي بعث به الرسول صلى الله عليه وسلم حتى لا نُضْحِكَ العالَمَ علينا.
العالم الغربي الآن، خاصة الرأسمالي يدعو إلى إنقاذ الإنسان، وإلى محاربة التمييز العنصري، ويحاصرون جنوب أفريقيا، ويسبونها عبر وسائل الإعلام؛ لأنها تمايز بين الجنسين الأسود والأبيض، ونحن نكرر هذه في قبائل اتبعت الرسول عليه الصلاة والسلام واعتنق أجدادها الإسلام، بل كانوا في فترة من فترات التاريخ، هم الذين نصروا دين الرسول عليه الصلاة والسلام.
أنا ابن أنصارك الغر الأُلَى سحقوا جيشَ الطغاة بجيش منك جرار
فما جزاؤها الآن إلا أن تعود إلى سنته عليه الصلاة والسلام.
قال الإمام مالك رحمه الله: "الكفاءة في النكاح: الدين".
قال أهل العلم: "وصدق الإمام مالك "، ورجح ذلك الشوكاني، وغيره من العلماء الجهابذة الأجلاء، وارتضوه، واعتبروه الصحيح.
فيا أيها الإخوة: الكفاءة: الدين، ليس القبلي وغير القبلي، فأرجو أن تزال هذه، وأرجو من الدعاة أو المتكلمين أو الناطقين أو المؤثرين، ألا يجرحوا شعور الناس في المجالس بذكر هذه الجاهليات التي أتى صلى الله عليه وسلم بسحقها، وقد سحقها يوم عرفة، وأزالها، واعتبرها لاغية من سجله صلى الله عليه وسلم.
فهذه المسألة أردتُ أن أعرضها، وقد عرضتُها بما أعتقد أنه الصواب، وأرجو صراحةً أن تُدْرَس دراسة وافية، فلا يكفي فيها مثل هذه الكلمة؛ لكني أطالب العلماء، والدعاة، والمشايخ، والكتبة، ومن يُسْمَع لهم، أن يبحثوها بحثاً إسلامياً شرعياً، ثم ينشرونها بين الناس؛ لئلا نوجِد هذه الطبقية الممقوتة البغيضة، التي أوجدت الحزازيات والحساسات والجراحات بين الناس بشيء لا يرضاه الله ولا رسوله عليه الصلاة والسلام.