Q فضيلة الشيخ! سمعنا أنك ذهبت إلى أمريكا من أجل الدعوة، فهل لك أن تعطيَنا بعض المشاهد التي رأيتها، لعله يكون لنا فيها عظة وعبرة، وشكراً لك؟
صلى الله عليه وسلم هذا مؤتمر للدعاة المسلمين وللشباب المسلم، حضره ما يقارب أربعة آلاف شاب مسلم، فمن السعوديين ما يقارب الألف أو زيادة، وكان في أوكلاهوما في شمال أمريكا، وحضره الكثير من علماء الإسلام، ما يقارب خمسين عالماً، ووجدنا هناك نماذج تبشر بالخير من شباب الإسلام، خرجوا من هنا وهم عاديون، يظنون أن الإسلام صلاة وذهاب إلى البيت وعودة، ولكن ذهبوا إلى هناك، فرأوا المجتمع -مجتمع جهنم، مجتمع النار، مجتمع الضياع- فعادوا إلى الحي القيوم، والتجئوا إلى الله لما رأوا علماء ومفكري الأمريكان يدخلون في دين الله، فعاد الواحد منهم داعية.
وأذكر أن كثيراً من الشباب الأمريكان الذين حضروا الحفل، وتكلموا فيه، وتُرْجِمَ كلامُهم يشعرون بسعادة ما بعدها سعادة، وكأنهم دخلوا الجنة، وقالوا: إننا نشعر كأننا خرجنا من النار ودخلنا إلى الجنة.
والمرئيات التي يجدها المسلم عجباً من العجاب:
أولها: يشعر المسلم بالمفاصلة مع الكافر: فإنني شعرت - والله الذي لا إله إلا هو - أن التراب الذي نمشي عليه ونحن نعبر ولاياتهم، ما كأنه كالتراب الذي في بلادنا، والشجر الذي نراه ما كأنه بالشجر الذي هنا، والماء الذي نشربه ما كأنه بالماء الذي هنا؛ لأن الله عز وجل يؤانس بين المسلم وبين ما يخلقه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وأرض الكافر يجعل بينها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وبين المسلم نفرة، حتى يقول عليه الصلاة والسلام لما رأى جبل أحد: {أحد جبل يحبنا ونحبه} قال: سيد قطب عن هذا الحديث: يا سبحان الله! حتى المؤمن يحب الجبال وتحبه الجبال.
والشجر يحب المؤمن والمؤمن يحب الشجر.
فلما رأينا المجتمع الضائع، وذاك التعرِّي، وذاك السُّخْف، وجدنا أُناساً يهرعون دائماً مشغولين في أفكارهم، كالآلة ذهاباً وإياباً، لا يطَّلِعون إلى عالم الغيب، ولا يعملون للآخرة، فهم مجتمع ضائع، ولذلك كانت لي منظومة قصيدة اسمها: أمريكا التي رأيتُ منها:
يا أمة كتب الإله لها صحائف من خلودْ
واختارها فجراً جديداً بعد ليل لا يعودْ
وحمى عفاف حيائها من كل كفار عنودْ
هو صاغها من فطرة عنوان موكبها السجودْ
...
ما زرت أمريكا فليـ ست في الورى أهل المزار
بل جئت أنظر كيف ند خل بالكتائب والشعار
لنحرر الإنسان من رق المذلة والصغارْ
وقرارنا فتح مجيد نحن أصحاب القرارْ
...
ورأيت أمريكا التي صاغوا لها أعلى وسامْ
ما أرضهم أرض رأيتُ ولا غمامهمُ غمامْ
ورأيتُ وقتي في ديا رهمُ كألفي ألف عامْ
إلى آخر هذه المنظومة.
إنما هي أحاديث طويلة طويلة، فبشرى للمؤمن يوم يجد شباب الإسلام، وشباب هذه البلاد التي هي مهبط الوحي من السماء، وأرض القبلة، والتي تنزل فيها القرآن، يوم يرفعون لا إله إلا الله هناك، في الجامعات، والبعثات العسكرية، من أهل التخصصات الخاصة، والدعاة والمفكرين، يوم يجدهم يرفعون الرأس، ويوم يسمع الأذان وهو يتردد في الولايات، وفي الأماكن والمدن، يرتفع رأسه؛ ولكنه يستاء يوم يجد هؤلاء الذين ما عرفوا الله، فقد عرفوا كل شيء إلا الله، فقد أُعْمِيَتْ قلوبُهم، وطُبِعَ عليها، وللحديث مجالات ومجالات.