الحوار بين الفقير والأمير

دخل هذا الفقير على ابن المأمون الأمير وسلم عليه، قال له الأمير: ألا تعرفني؟ قال: ما أتيتك وما رأيتك حتى أعرفك، قال: أنا ابن الخليفة قال: يقولون لي ذلك، قال: ماذا تعمل أنت؟ قال: أعمل مع عباد الله في بلاد الله.

قال: قد رأيتك أياماً ورأيت المشقة التي أصابتك، فأريد أن أخفف عنك المشقة.

قال: بماذا؟ قال: بأن تسكن معي في القصر بأهلك آكلاً شارباً مستريحاً، لا هم ولا غم ولا حزن.

قال: يا بن الخليفة! لا هّمَّ على من لم يذنب، ولا غم على من لم يعص، ولا حزن على من لم يسئ، أما من أمسى في غضب الله، وأصبح في معاصي الله، فهو في الغم والحزن والهم، قال: ماذا تفعل أنت في نهارك؟ فأخبره، قال: هل وراءك أهل؟ قال: نعم.

أمي عجوز كبيرة، وأختي عمياء حسيرة، آتي بإفطاريهما قبل الغروب.

وهما تصومان كل يوم، فنفطر جميعاً ثم ننام، قال: فمتى تستيقظ؟ قال: إذا نزل الحي القيوم إلى سماء الدنيا، قال: هل عليك من دين؟ قال: ذنوب سلفت بيني وبين الحي القيوم، قال: ألا تريد معيشتنا؟ قال: لا والله، قال: ولم؟ قال: أخاف أن يقسو قلبي ويضيع ديني، قال: أتحب أن تكون حمالاً في السوق جائعاً في الشمس والعري والهم والغم والكلفة، ولا تكون معي في قصر الإمارة؟! قال: إي والله، فنزل وتركه، فأخذ الأمير يتأمل وينظر وهو في حيرة، فقد ألقى عليه محاضرات من الإيمان، وطرق قلبه بدروس من التوحيد، وألقى عليه كلمات تنفذ إلى القلب، وأخذ يتابعه بطرفه حتى اختفى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015