من أين نبدأ؟ وإلى أين ننتهي في ذكر سيرته؟ يعجز الأدباء، ويسكت الشعراء، ويتحير المؤرخون، ويتلعثم المصنفون في عظمته صلى الله عليه وسلم؛ لكن في جانب واحد، وفي زهرة من روضته، نتحدث في هذا اليوم في جانب التواضع من حياته صلى الله عليه وسلم.
أليس هو قرآن يمشي على الأرض؟ أما قال الله له: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء:215]؟
أما امتدحه الله من فوق سبع سماوات، فقال له: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4]؟
أما أثنى عليه، وقال له: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159].
سهر العيون لغير دينك باطل ورضا النفوس بغير شرعك ضائع
والرسول - عليه الصلاة والسلام - أكبر من تواضع لله؛ لأنه عرف عظمة الله.
جاءه ملِك من ملوك العرب - وقد صح هذا الحديث - فأتى الملك، ودلف إلى مكة؛ ليرى هذا الإنسان الذي غيّر العالم، فلما رأى المصطفى صلى الله عليه وسلم أخذ هذا الملك ترتعد فرائصه، ويهتز، ويتزلزل في مكانه؛ لأنه رأى هالة العظمة، رأى سيماء التوفيق، وشارة المجد تلوح على محياه صلى الله عليه وسلم فيهدئ من روعه صلى الله عليه وسلم، ويهدئ من خوفه، ويقول له: {هون عليك، إني ابن امرأة كانت تأكل القديد بـ مكة} والقديد: هو اللحم المشوي إذا مُلِحَ وعُلِّقَ.
نعم، إنك ابن امرأة كانت تأكل القديد بـ مكة؛ لكنك حولت العالم.
إنك ابن امرأة كانت تأكل القديد بـ مكة؛ لكنك أعظم من طرق باب الإنسانية.
إنك ابن امرأة كانت تأكل القديد بـ مكة؛ لكنك قدت العالم إلى بر النجاة، وإلى شاطئ السلامة.
إنك ابن امرأة كانت تأكل القديد بـ مكة؛ ولكنك أخرجت الإنسان وشرفته وطهرته وعظمته.
إن البرية يوم مبعث أحمد نظر الإله لها فبدل حالها
بل كرم الإنسان حين اختار من خير البرية نجمها وهلالها