طرق عمر رضي الله عنه الأبواب ومر بالناس جميعاً حتى وصل إلى العباس عم الرسول عليه الصلاة والسلام، وقال: ادفع الصدقة.
قال: من أرسلك؟ قال: الرسول عليه الصلاة والسلام.
قال: لن أدفع.
ثم ذهب إلى خالد سيف الله المسلول أبي سليمان، صاحب المائة غارة، وقال له: ادفع الصدقة.
قال: من أرسلك؟ قال: الرسول عليه الصلاة والسلام، قال: لا أدفع.
ثم ذهب إلى ابن جميل وقال له: ادفع الصدقة.
قال: من أرسلك؟ قال: محمد صلى الله عليه وسلم قال: لا أدفع.
رجع عمر بالأموال، وقال: {يارسول! دفع الناس جميعاً إلا ثلاثة، قال: من هم؟ قال: عمك العباس وخالد بن الوليد وابن جميل -فأتى صلى الله عليه وسلم يفصل- قال: يا عمر! أما تعلم أن العباس عمي، وأن عم الرجل صنو أبيه؟ -أي: هو كأبي- هي علي ومثلها لعامين} يقول: صدقته علي ومثلها، أنا اقترضت منه صدقة عامين في غزوة من الغزوات، لكن العباس استحيا أن يقول لـ عمر: إن الرسول صلى الله عليه وسلم اقترض مني زكاة عامين، وعلم أنه إذا رد عمر سوف يتذكر الرسول عليه الصلاة والسلام، قال: يا عمر! كيف تتكلم وتشكو عمي أما تدري أن عمَّ الرجل مثل أبيه.
وفي الموقف هذا لطافة من العباس فإنه لم يقل: دفعت صدقتي لكم أو أقرضتكم، فإن المنة لله ولرسوله، وفيه موقف حازم لـ عمر؛ فإنه لم يقل: مادام أنه عم الإمام الأعظم صلى الله عليه وسلم فلا نذكره في القائمة، لا، بل قال: عمك ما دفع الصدقة، انظر إلى الصرامة، حتى في تلك المواقف، لأن بعض الناس إذا رأى قريباً لصاحب الجاه، قال: لا نسقطه، قرابة ومحاباة ومجاملة، لكنّهُ موقف حازم.
وفيه موقف ثالث: اعتذار الرسول عليه الصلاة والسلام حيث قال: أتشكو عليّ عمي؟ ثم بيان الحق: هي عليّ ومثلها.