ويتحدث الأنبياء عن أنفسهم عليهم الصلاة والسلام، فاسمعوا إلى إبراهيم يقول لأبيه الشيخ الضال العفريت الملحد: {يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ} [مريم:43] يقول: استحي على وجهك أيها الشيخ الضال، يا من يريد أن يؤسس الإلحاد والزندقة في الدنيا، خف من الله، فإنه قد أتاني من العلم مالم يأتك، عندي سند ليس لقوة جسمي، ولا لمنصبي، ولا لأسرتي، ولا لجاهي، ولكن يا أبت إني قد جاءني من العلم الشرعي الذي أتى من فوق سبع سماوات إلى الدنيا.
ويقول سليمان هو يتحدث إلى الجيوش والجماهير في عرض عسكري باهر، يوم جمع له إلانس والجن والطيور والزواحف والحشرات قال للجماهير: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ} [النمل:16] قال بعض المفسرين: لو حق للإنسان أن يفتخر بشيء يفتخر به لكفى بالعلم، يا أيها الناس حمداً لله علمنا منطق الطير، حتى الهدهد وهو طائر صغير يقول ابن القيم في بدائع الفوائد: "عجباً للهدهد يفتخر بالعلم بين يدي الرسول الكريم سليمان عليه السلام - وسليمان هو الذي أتي بالتوحيد وشق طريق الدعوة وبنى مدرسة العقيدة في الدنيا في فترته - أتى الهدهد من اليمن يوم تخلف فأراد أن يعاقبه سيده على تخلفه، قال: {وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَأٍ بِنَبَأٍ يَقِينٍ} [النمل:22] ثم أخذ يتحدث له عن التوحيد، وعن الشرك في أرض اليمن، وما ينبغي للمرأة أن تقوم به من دور في الحياة، وقد أفاض في الحديث حتى قال بعض العصريين: لقد ألقى الهدهد محاضرة على سليمان، يقول: {إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ} [النمل:23] عجيب المرأة تملكهم في دين من؟ إلا في دين الأوروبيين الذين لا يعرفون إلا ظاهر الحياة الدنيا، أما في علم الناس ومفهوم العقلاء، فلا يصح للمرأة أن تملك الرجال: {إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} [النمل:23] مما يقبل التملك: {وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} [النمل:23].
كأنه يقول له: إياك أعني واسمعي يا جاره، عرشك ينبغي أن يثبت، فلا تثبت هذه الملحدة هنا، والواجب أن يكون عرشك أعظم من عرشها لتبقى راية التوحيد أعظم من راية الشرك: {إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} [النمل:23].
لكن الداهية الدهياء، والفاحشة الفحشاء، والمصيبة الشنعاء أنهم يعبدون الشمس: {يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [النمل:24] عجباً لك أيها الهدهد يوم تفتخر بالعلم، صح عن علي بن أبي طالب أنه قال: [[قيمة كل إنسان ما يحسنه]] وهذه الكلمة لو كتبت بماء الذهب ما أنصفاها ماء الذهب، حتى يقول ابن عبد البر: "ما عرف بعد كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم أحسن من هذه الكلمة، قيمة كل إنسان ما يحسن " وورد عن علي رضي الله عنه وأرضاه أنه قال: [[كفى بالعلم فخراً أن يدعيه من ليس من أهله]] تجد الجاهل الرعديد البليد يقول: عندي من العلم ما يكفيني، فكفى بالعلم شرفاً أن يدعيه من ليس من أهله.