سير أعلام النبلاء

أما سير أعلام النبلاء فخرج في ثلاثٍ وعشرين مجلداً، وهو من أحسن الكتب وهو الآن محقق، وهو لا يتقيد بأي صنف من الناس أو طائفة، يورد العلماء والزهاد والعباد والملوك والوزراء والشعراء والأدباء والأطباء والفلاسفة وأهل علم الكلام وأهل التفسير والحديث والفقهاء والحمقى والمغفلين والزنادقة والملاحدة، مسح ما يقارب ستمائة سنة في الزمان، ومسح في المكان من حدود الهند إلى أسبانيا، ودخل المغرب وخراسان وما وراء النهر فهو كتاب بديع.

وميزته: أنه يُفصِّل الترجمة على المترجم تفصيلاً لا يعطيه أكثر من حقه، ولا ينقصه أقل من حقه، يقول في الإمام أحمد: شيخ الإسلام وإمام السنة.

ويأتي إلى الفيلسوف: الزنديق الكلب المعفر الزنديق فلان بن فلان.

ويأتي إلى الشاعر: شاعر زمانه، وأديب عصره، ثم يذكر حياته.

ميزته: أنه يعلق على الأحاديث، فلا يمر حديث في الغالب إلا ويذكر هل هو صحيح أو ضعيف.

وميزته أيضاً: أنه يذكر الرواة والعصور والتاريخ، فهو جم الفوائد، وله تعليق ما أحسن من تعليقه إذا علق! من ضمن تعليقاته أورد لكم هذا التعليق، أتى برواية زائدة، أتى بها رجل اسمه عفان من الرواة، والزيادة ليست بصحيحة في الحديث، قال الذهبي: قلت: هذه من زيادة عفان والسلام.

أتى إلى رجل كذب في الحديث قال: هكذا فليكن الكذب.

أتى إلى رجل اسمه إسماعيل قالوا: ما دخل بغداد بعد الإمام أحمد أحفظ من إسماعيل، قال: هذا قول من لا يعلم، إلى غير ذلك من التعليقات.

نُسب إليه أنه علق على جد ابن تيمية وأبي ابن تيمية وابن تيمية نفسه، قال: كان جده قمراً، وكان أبوه في العلم نجماً، وكان ابن تيمية شمسًا: فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة، وذكر عن ابن تيمية: أنه سئل عن حديث: صلاة التسابيح، قال: سنده: {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} [النور:40].

وذكر بعض الصوفية الغلاة يقولون: إنه ترك هذا الصوفي، ترك الطعام ثلاثة أيام، قال: فرأيت أشباحاً أمامي لما تركت الطعام، يظن هذا الصوفي أنها ملائكة نزلت عليه، قال الذهبي: والله ما نزل عليك شيء ولا رأيت شيئاً، لكن عقلك طاش من الجوع.

والكتاب متعة، ويربي ملكة الذكاء والفهم والاستنباط ومعرفة الرجال ومعرفة موقعك من العالم.

أما كتب الضعفاء والثقات فألف فيها كثيراً، وأنا لا أقول: إني أحصي كتب الرجال في هذه الجلسة إنما أذكر المشهورات.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015