حديث الأعرابي في السؤال عن الساعة ومكانة الحب

ثم قال البخاري رحمه الله تعالى: عن قتادة، عن أنس أن رجلاً من أهل البادية أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: {يا رسول الله! متى الساعة؟ قال: ويلك! وما أعددت لها؟ قال: ما أعددت لها من كثير صلاة ولا صيام إلا أني أحب الله ورسوله، قال: المرء مع من أحب} فقال أنس: ففرحنا يومئذٍ فرحاً شديداً.

هذا الحديث يدور حول الحب، والحب حياة وطموح وجمال وقوة واستبسال، والحب تفَّوق وإقدام وبسالة، والحب عظمة وشموخ وعبقرية.

الحب يقع على الماء فيصبح زلالاً، وفي الهواء فيصبح عبيراً، وفي الروض فيصبح ناطقاً، وعبادة بلا حب طقوس لا تنفع، وتلاوة بلا حب تمتمة، ودعوة بلا حب كلام وهدر، حب لمن؟ لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم.

كان صلى الله عليه وسلم يتكلم للناس على المنبر، وكان أمامه علماء الإسلام ونجومه وأخياره، فأتى هذا الأعرابي الذي لا يعرف من الأجر شيئاً و {من بدا جفا} -كما في الحديث الذي تُكِّلم فيه؛ لكنه يقبل التحسين- فقال: يارسول الله! متى الساعة؟

والرسول لا يعطي حقوق الكثرة للقلة، أمامك جمع من الناس، وفئام تحدثهم، ألف رجل من الأخيار الأبرار تعبوا وحضروا، وتقطعهم من أجل طارئ، أتى يأخذ مسألته ويطير! فاستمر عليه الصلاة والسلام في كلامه، فقال بعض الناس: سمع ما قال فكرهه؟

وقال بعض الناس: بل لم يسمع؟

فلما انتهى صلى الله عليه وسلم من حديثه قال: أين السائل عن الساعة؟

قال: أنا يا رسول الله، فالرسول عليه الصلاة والسلام أنكر عليه السؤال، ولكنه أراد أن يسأل عما أعد، قال النبي صلى الله عليه وسلم: وما أعددت لها؟

أما سؤالك فليس بوارد، لا يعلم قيام الساعة إلا الله، لكن ماذا أعددت لها؟

فقال الرجل وكان فصيحاً: والله ما أعددت لها من كثير صيام ولا صلاة ولا صدقة ولكني أحب الله ورسوله، فقال عليه الصلاة والسلام: {المرء يحشر مع من أحب} قال أنس في البخاري، فنحن نحب الله ورسوله وأبا بكر وعمر، ولم نعمل بعملهم، ونسأل الله أن يحشرنا في زمرتهم، ونحن كذلك ما جاهدنا، ولا سفكت دماؤنا، ولا داومنا على قيام الليل، ولا بذلنا أموالنا، ولكن معنا بعد الإيمان أننا نحب الله ورسوله وأصحابه الأخيار، عليه الصلاة والسلام.

كتب الإمام الشافعي للإمام أحمد رسالة توَّجها بأبيات، يقول:

أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة

وأكره من تجارته المعاصي ولو كنا سواء في البضاعة

تربية دعوية يقول:

تعمدني بنصحك في انفراد وجنبني النصيحة في الجماعة

فإن النصح بين الناس نوع من التوبيخ لا أرضى استماعه

فإن خالفتني وعصيت أمري فلا تجزع إذا لم تُعطَّ طاعة

فوصلت الإمام أحمد فردها وقال:

تحب الصالحين وأنت منهم ومنكم قد تناولنا الشفاعة

الشافعي قرشي من أسرة الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: أنا من ميزتي ومن حسناتي أني أحب الصالحين، وبعض الناس فيه تقصير، لكنه يحب الصالحين، وبعض الناس فيه خير، لكنه يبغض الصالحين، ويحب الفسقة فهو مع الفسقة، لأن المبادئ والولاء والبراء عقائد، والعقائد أكبر من الأمور التعبدية، العقائد كالجبال إذا رست في القلب أصبحت الحركات على هذه العقائد من زيارات ومن صلات وحب، يقول أبو عبيدة كما في كتاب الزهد للإمام أحمد: [[والله الذي لا إله إلا هو ما رأيت متقياً لله حراً أو عبداً أبيض أو أسود إلا وددت أني في مسلاخه]] هل أجمل في الدنيا من التقى؟

وأنت جرب نفسك وإيمانك، إذا رأيت التقي بهيئته، بلبسه، بحركاته، بمنصبه، وهو تقي لله وأحببته، فهذا لارتفاع حب الله عز وجل في قلبك، أما إذا أحببت الناس على موازين أرضية وأشياء دنيوية، فهو من النفاق والخور الذي في القلب، نسأل الله العافية.

يقول الإمام علي رضي الله عنه وأرضاه: [[تزودوا من الإخوان، فإنهم ذخر في الدنيا وفي الآخرة، قيل: يا أمير المؤمنين! أما في الدنيا فصدقت.

لكن في الآخرة بماذا؟ قال: أما يقول الله عز وجل: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:67] أما يقول الله عز وجل في الكفار لما عُتِبوا قالوا: {فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ} [الشعراء:100 - 101]]]

لو كان هناك صديق لكان نفع في هذا الموقف الحرج، قال ابن عمر رضي الله عنه في أثر صح عنه: [[والله لوقمت النهار لا أفطره، وقمت الليل لا أنامه، وأنفقت أموالي غلقاً غلقاً في سبيل الله، ثم وجدت الله لا أحب أهل الطاعة، ولا أبغض أهل المعصية، لخشيت أن يكبني الله على وجهي في النار]].

وبعض الناس يحب الفسقة والفجرة، ويرضى بصنيعهم، ويزورهم ويزرونه على الرحب والسعة، وكأنه ما فعل شيئاً، وهذا لب درسنا هذه الليلة.

أما كان صلى الله عليه وسلم يقيم مبادئ الولاء والبراء على هذه الأسس (الحب في الله عز وجل).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015