رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يسوق بدنة -وهي الناقة- وتطلق تَّجوزاً على الجمل، والرسول عليه الصلاة والسلام كما في الحديث الصحيح رآه في طريق الحج يسوق البدنة، فقال: اركبها، وهل عند الناس أو عند العرب أن يركب الرجل ناقته أو جمله، ليس بحرام وهم مجمعون على ذلك في جاهليتهم وإسلامهم، لكن هنا كلام مقدر معناه: بدنه أهداها للحج، والناس أول الإسلام تحرجوا من أن يهدي أحدهم للحج أو لله عز وجل ثم يستخدم هذا الشيء، كالناقة والجمل، كيف يركبها وقد أهداها؟! فقال عليه الصلاة والسلام: (اركبها) فتحرج الرجل، أي ورع هذا يتورع والرسول صلى الله عليه وسلم أفتاه؟!
في السيرة أن أعرابياً أتى إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، قال: سعيت قبل أن أطوف، لأن الأصل الطواف قبل السعي، وعند أبي داود بسند جيد عن أسامة بن شريك: قال رجل: يا رسول الله! سعيت قبل أن أطوف، قال: افعل ولا حرج.
فذهب يتأكد من عمر رضي الله عنه، فسأله، قال: افعل ولا حرج، قال: صدقت، قال: ولم؟ قال سألت الرسول عليه الصلاة والسلام فأخبرني كما أخبرتني.
قال: خررت من يديك، تسأل الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم تسألني؟!
إن الرسول صلى الله عليه وسلم إذا قال وأفتى وإذا سن فمن يتأمل وراء السنة فقد جاوز السنة، ولذلك ما أتى إنسان يتأمل عند السنة ويتعمق إلا خرج من السنة، فبعض الناس يخرجون في الطول، وبعضهم يخرجون في العرض، إما رجل كسلان متبذل، مل من لباس السنة فخلع التاج فلا يستطيع، وأخذ يستهزئ، وإما إنسان تَّربى بها وظن أنه لا سني في الأرض إلا هو، فزاد وعمقه الشيطان فخرج منها، وأحسنهم من اعتدل واقتصد وسار على منهجه صلى الله عليه وسلم.