عنوان هذه المحاضرة" مواقف من حياته عليه الصلاة والسلام".
ومن مواقفه صلى الله عليه وسلم التي نعيش أنوارها وأسرارها وأخبارها: موقف البراهين التي أثبت الله بها نبوته عليه الصلاة والسلام، جاء إلى أهل مكة رجل عرفوه فقد تربى معهم، وسار في جبالهم، وتظلل بسمائهم، ومشى على أرضهم، فلما قال: أرسلني الله، قالوا له: كذبت -وهو الصادق- فكان عليه أن يأتي بآيات بينات، فأتى بها من عند حكيم خبير {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ} [الطور:15]
خرج على أهل الحرم وقد أطل القمر ليلة أربعة عشر على الناس، وهم في الحرم كما قال الله: {سَامِراً تَهْجُرُونَ} [المؤمنون:67] أي تسمرون بقول فيه فحش وهجر وبذاء، وقلوب ما عرفت الله، قلوب عاقرت الخمر والفاحشة والزنا، وهم في الخمر يطل عليهم عليه الصلاة السلام كالبدر، وهم في ظلام الليل، كما قال الأول:
صبحته عند المساء فقال لي ماذا الصباحُ وظن ذاك مزاحا
فأجبته إشراق وجهك غرني حتى توهمت المساء صباحا
فقال لهم: {قولوا لا إله إلا الله تفلحوا} فقال أبو جهل: آذيتنا وسببت آلهتنا، وسفهت أحلامنا، ثم حلف باللات والعزى لا يقول: لا إله إلا الله حتى يشق له القمر إنها آية عظيمة، إنه امتحان صعب، إنه تحدٍ صارخ، إنها مجازفة سافرة، حلف بلاته وعزاه لا يؤمن ولا يذوق هذا الدين حتى يشق له رسول الله صلى الله عليه وسلم بإذن الله القمر، وكان تحدياً أمام الجماهير، فوقف عليه الصلاة والسلام موقف الشجاعة والبسالة، وموقف القيادة للعالم، كما يقول المتنبي في ممدوحه:
وقفت وما في الموت شكٌ لواقفٍ كأنك في جفن الردى وهو نائم
تمر بك الأبطال كلمى هزيمةً ووجهك وضاحٌ وثغرك باسم
فالتفت إلى القبلة ودعا الله، وقال لكفار قريش: إن شق الله لي القمر أتسلمون؟ قالوا: نعم - والحديث صحيح من حديث أنس وغيره- فأشار إلى القمر ودعا الله، فشق الله له القمر فلقتين، أما إحداهما فذهبت إلى جبل أبي قبيس، وذهبت الأخرى قيل: إلى عرفات وقيل: إلى مكان آخر، قال: انظروا فنظروا ورأوا القمر قد انشق، ورأوا آية الله وبرهان الله وحجة الله ودليل الله على إرسال رسول الله {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ} [الطور:15]
ماذا فعلوا؟ قاموا من المجالس كالحمر ينفضون ثيابهم، ويقولون: سحرنا محمد، سحرنا محمد، ثم تسابقوا وخرجوا من أبواب الحرم.
أليس دليلاً على رسالته وعلى مواقفه الخالدة أن يثبت الله رسالته من السماء بآيات؟! فسبحان ربك! {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ} [الطور:15].