قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: (وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة:22] أما الماء فهو أرخص موجود وأغلى مفقود، إذا فقد الماء، دفعت حياتك وملكك وما معك من شيء في شربةٍ واحدةٍ، وأما إذا وجد فهو أرخص موجود.
دخل ابن السماك على هارون الرشيد، فقال هارون الرشيد: يـ ابن السماك -وهو واعظ عابد عالم- أما تريد أن تخالطنا في هذا الملك، فتصيب معنا ويرزقك الله منه؟
قال: والله ليس لي بملكك طرفة عين من عبادة ربي تبارك وتعالى.
ثم أتى هارون الرشيد في أثناء الجلسة، فقال: علي بشربة من ماء، فأتوا: بالماء، قال ابن السماك: أسألك بالله ألاَّ تشرب حتى أكلمك.
قال: ما هو؟
قال: أسألك بالله لو منعت هذه الشربة بنصف ملكك، أتدفع نصف الملك فيها؟
قال: إي والله.
فلما شربها، قال: أسألك بالله لو منعت إخراج هذه الشربة من جسمك بنصف الملك أتدفع؟
قال: نعم.
قال: ملك لا يساوي شربةً ليس بملك.
لذلك لما حضرت هارون الوفاة في طرطوس وهو هذا الذي تحدى السحاب وهو في قصره في بغداد، وقال للسحابة: أمطري حيث شئت فإن خراجكِ سوف يأتيني، قال: أخرجوا الجنود لي، فأخرجوهم فنظر إلى الجيش، وقال: يا من لا يزول ملكه، ارحم من زال ملكه {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً) [مريم:93 - 95] بدون شيء إنما يأتي فرداً وعبداً.
قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:22] أما الثمرات فهي بين أيديكم، وكل ثمرة تحدثكم عن قدرة الباري سُبحَانَهُ وَتَعَالى الوردة والنرجس والياسمين والرمان والرياحين، فيا سبحان الباري!
والآن اكتشف مع هذا العلم نباتات في كتب منشورة في الأسواق لم تكتشف من قبل!
فسبحان من عدد الأنواع من كل زوج بهيج! لون أصفر وأخضر وأحمر وأسود ومشكل وشيء عجيب تتيه فيه العقول وتدهش، فمن جعل ذلك التعدد؟
إنه الواحد الأحد، يسقى بماء واحد، ولكن الطعم مختلف، ثم قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {مِنَ الثَّمَرَاتِ} [البقرة:22] ليشمل الحبوب المحصودة، وما لم تحصد، وليشمل الفواكه والخضروات.
قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:22] أنداداً أي: شركاء، وشبهاء، والمعنى: لا تشركوا بالله، ولأهل العلم فيها ستة أقوال:
القول الأول: تعلمون أنه سُبحَانَهُ وَتَعَالى خالق السماء والأرض.
القول الثاني: تعلمون أنه لا إله إلا الله حتى في التوراة والإنجيل وهذا لليهود.
القول الثالث: تعلمون أنه لا ند له تبارك وتعالى.
القول الرابع: تعلمون بمعنى تعقلون إن كان عندكم عقول.
القول الخامس: لا يقدر على هذا الذي ذكر في الآية أحد سوى الله تبارك وتعالى.
القول السادس: تعلمون أن الأصنام حجارة وأنها لا تنفع ولا تضر، ولا تخلق ولا ترزق، قال تعالى: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً) [الفرقان:3].
في ختام هذا اللقاء أسأل الله أن يتقبل مني ومنكم صالح الأعمال، ونسأل الله لنا ولكم القبول والإخلاص والصدق معه سُبحَانَهُ وَتَعَالى، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.