إخلاص عمر بن الخطاب أكسبه الشهادة

منهم: أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه وأرضاه, عمر الخليفة الزاهد الصادق المخلص، الذي يقف على المنبر وفي برده أربع عشرة رقعة, وهو يملك ذهب الأمة وفضتها وكنوزها, ويبقى جائعاً ليطلب الثواب والأجر من الله.

عمر الذي يقول: [[يا ليتني كنت شجرة تعضد! يا ليت أمي لم تلدني!]].

وإذا كان هذا في سبيل الله, فأنعم وأكرم بمثله من عمر رضي الله عنه وأرضاه!

وقد سأل الله تعالى الشهادة في آخر حجة حجها, فإنه لما حج رفع يديه عند الجمرات، وقال دعاءً حاراً صادقاً فيه، طالباً من الله الشهادة، قال: [[اللهم إنها ضاعت رعيتي, ورق عظمي, ودنا أجلي, فاقبضني إليك غير مفرط ولا مفتون, اللهم إني أسألك شهادة في سبيلك، وموتة في بلد رسولك.

فقال الصحابة: يا أمير المؤمنين! إن من يطلب الشهادة يخرج إلى الثغور, قال: هكذا سألت! وأسأل الله أن يلبي لي ما سألت]].

وعاد إلى المدينة صادقاً مخلصاً, وعلم الله صدقه وإخلاصه, ففي أول ليلة إذا به يرى في المنام رؤيا مبشرة رأى في منامه كما قال أهل العلم: ديكاً ينقره ثلاث نقرات, فسأل في الصباح أسماء بنت عميس الحثعمية , فقالت: يا أمير المؤمنين! استودع الله في نفسك الذي لا تضيع ودائعه, إنني أرى أنك تقتل بيد رجل من العجم.

فأتى عمر في آخر جمعة يخطب, فما كان إلا البكاء على المنبر, يستودع الناس ويستبرئهم, ويطلب المسامحة والعفو, ويطلب منهم أن يتجاوزوا عما أخطأ, ولم يكن منه إلا الجميل.

وفي صباح يوم السبت يأتي الصدق لأهل الصدق, والإخلاص لأهل الإخلاص؛ لأنه سأل الشهادة مخلصاً منيباً صادقاً مع الله, فيصلي الفجر ويقرأ سورة يوسف, وما أحسن سورة يوسف يا شباب الإسلام! وما أروعها! وما أقواها! يوم تربي في نفس الشبيبة التقوى, يوم تجعل لهم يوسف عليه السلام علماً ومعلماً من معالم الذين ثبتوا على لا إله إلا الله, وأخلصوا للا إله إلا الله, فحفظهم الله في الخفاء بعين رعايته: {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف:64].

ويركع أمير المؤمنين, وتمتد يد آثمة, ما سجد صاحبها لله سجدة, يد بغيضة ما ركع صاحبها لله ركعة, لتمزق الأديم الطاهر المجاهد العابد الزاهد.

ضحوا بأشمط عنوان السجود به يقطع الليل تسبيحاً وقرآنا

فيهوي في المحراب، وما أحسن الشهادة! وما أحسن الشهيد! وما أحسن البقعة! وما أحسن الصلاة! ويُرفع رضي الله عنه, وجذوة الصدق والإخلاص حية في قلبه, يرفعه الناس على أكتافهم, ودماؤه تسيل على أكتاف الرجال, ويذهب به إلى بيته, فيوضع في البيت, ويوضع تحت رأسه مخدة, فيقول للناس: أزيلوها عن رأسي, وضعوا رأسي على التراب, علّ الله أن يرحمني.

رحمك الله يا أبا حفص رحمك الله يا فاروق الإسلام! رحمك الله أيها الصادق المخلص الذي قوى الله به الدين.

قد كنت أعدى أعاديها فصرت لها بفضل ربك حصناً من أعاديها

يا من يرى عمراً تكسوه بردته والزيت أدم له والكوخ مأواه

يهتز كسرى على كرسيه فرقاً من خوفه وملوك الروم تخشاه

قال: ضعوا خدي على التراب, لعل الله أن يرحمني, فوضعوه على التراب، ودخل أمير المؤمنين سيف الله المنتضى أبو الحسن علي بن أبي طالب , فقال: يا أمير المؤمنين! هنيئاً لك! والله لطالما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {جئت أنا وأبو بكر وعمر! ودخلت أنا وأبو بكر وعمر! وخرجت أنا وأبو بكر وعمر!} فأسأل الله أن يحشرك مع صاحبيك, فدمعت عينا عمر , وقال: [[ليتني نجوت كفافاً لا لي ولا عليَّ]].

هذا وهم المجاهدون الصادقون, فقل لي بالله: ماذا فعلنا للإسلام؟

وقل لي بالله: ماذا قدمنا للا إله إلا الله؟

وقل لي بالله: ماذا ادخرنا عند الله؟

هل هناك جهاد؟

هل سكبنا دماءنا لرفع لا إله إلا الله؟

هل قطعت رءوسنا من أجل نصرة لا إله إلا الله؟

هل سهرنا نناجي من أنزل لا إله إلا الله؟

نحن برحمة الحي القيوم, ذنوب وخطايا وعيوب ونقص, لكن نسأل الله كما سترنا في الدنيا فلم يفضحنا أن يغفر لنا يوم أن نأتيه مذنبين نادمين في يوم لا ريب فيه.

هذا هو الصدق, وقصة عمر رواها أصحاب الصحيح, ويأتي الصحابة الواحد تلو الآخر, وذاك بعد هذا, ليسجلوا صحفاً من نور, منحوتة في الصدور، من الصدق مع الله الواحد الأحد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015