أخذ صلى الله عليه وسلم يوزع البسمات على هؤلاء، ويحمل أحياناً الأطفال ويقبلهم وينزلهم من على راحلته، ومرة يردف أحدهم ومرة يجعله وراءه؛ لأنه أبو الأطفال، واليتامى، والمساكين، ومحرر المرأة، ورافع حق الإنسان، وموجد حق الحوار.
فوصل صلى الله عليه وسلم ودخل المسجد فصلى ركعتين، فأما المنافقون فاعتذروا فعذرهم صلى الله عليه وسلم وخرج، وأما كعب بن مالك فجلس أمام الرسول صلى الله عليه وسلم والحسرة تملأ قلبه.
وانظر إلى عِظَم الحسرة! وهي أن يتخلف تلميذٌ عن شيخه في إحدى مقامات التضحية، لم يكن هناك تحضير للأسماء، لكن الله يعلم الغيب وأخفى، سجل عشرة آلاف الله يعلمهم واحداً واحداً، وأخبر رسوله أن ثلاثة تخلفوا، لكن هؤلاء الثلاثة لهم مكانة في الإسلام.
أتى كعب بن مالك فجلس أمام الرسول عليه الصلاة والسلام، وقال: [[يا رسول الله! والله لو جلست أمام أحدٍ من أهل الدنيا غيرك لظننت أني سوف أخرج بحجة، فإن الله آتاني بياناً وجدلاً، ولكن يا رسول الله! والله إن اعتذرت لك اليوم بعذر كاذب وترضى عني، فإني أخشى أن يسخطك الله عليَّ ويسخط الله عليَّ، وإن اعتذرت لك بعذر صادق وتغضب عليَّ أسأل الله أن يرضيك ويرضى عني، أما أنا فلا عذر لي.
قال: قم ويقضي الله في شأنك ما شاء، فقام فتلقته قبيلة بني سلمة، قالوا: ما رأيناك فعلت فعلاً أقبح من فعلك إلا عذرك، عد إليه واعتذر ولو كنت كاذباً.
قال: فأردت أن أعود فأكذب نفسي، فذكروا لي رجلين من أهل بدر تخلفا معي واعتذرا بمثل عذري.
فقلت: لا ولم ألتفت إليهم]].