ومن الجدية أيضاً: الجدية في طلب العلم -كما قلت- فيحافظ على الدروس العلمية التي تقام في المساجد، وليأت إليها ولو لم يكن الحضور إلا هو لكفاه أجراً وفخراً وشرفاً أنه حضر واجتمع وطلب العلم.
إن الشاب يندفع أولاً اندفاعاً هائلاً ثم يتلاشى ويتلاشى فأنا أعرف دروساً قامت على خمسين أو ستين شاباًً ثم تلاشت إلى ثلاثة أو أربعة, والخطأ من الشباب أنهم ما واصلوا المسيرة، وما علموا أن هذه فرصة سانحة, فتح الله لك درساً فاحضره.
كذلك بعضهم لا يجدُّ في بحثه، فإذا كُلِّف ببحث مسألة توانى عنها وتكاسل حتى تذهب عليه الأيام، ثم يأتي ببحث ميت أو بحث لا جدوى فيه ولا تحقيق، وكذلك التواني عن حضور المحاضرات العامة، وأنا أعتبر أن من يحضر هنا يشد من أزر المؤمنين, وأنه ينصر عباد الله الموحدين، وأنه يرغم الشيطان.
قال ابن القيم -رحمه الله تعالى-: الدين مبني على المراغمة؛ ولا يرى الشيطان أحقر منه في مثل هذه الليالي؛ أن يرى العباد بالمئات بل بالألوف يجتمعون على محاضرة، يريدون (قال الله وقال رسوله عليه الصلاة والسلام) فالشيطان وأولياؤه من المرتدين والمنافقين يندحرون ويذوقونها غصصاً إذا رأوا هذا التجمع الإيماني المبارك العاطر.
يا رب أحي ضميره وليذوقها غصصاً وتتلف نفسه الآلام
هذه بعض الصور التي تفوتنا كثيراً في عالم الجدية، ومنها أيضاً: عدم أخذ الجدية في أخذ سنن محمد صلى الله عليه وسلم، وقد تفاجأ بمن يحمل العلم الشرعي وهو لا يطبق سنة محمد عليه الصلاة والسلام في لحيته أو في تقصير ثوبه، أو تراه يلبس الذهب، أو الحرير، أو يستمع الغناء، أو يفوت صلاة الجماعة, فتظن أنه لا يصدق ما يحمل, أو تتهمه في دينه, وهذا أمر واضح، فإن الله جعل على الإيمان دلائل وعلامات، قال سبحانه: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران:31].
فالحذر الحذر من عدم الجدية في تطبيق السنن, والذين يهونون من شأن السنن؛ كاللحية والثوب والسواك, وخصال الفطرة؛ لا يعقلون ولا يفقهون في دين الله إن محمداً عليه الصلاة والسلام أتى بلا إله إلا الله وأتى بإعفاء اللحية، وأتى بلا إله إلا الله وبقص الشارب، وأتى بلا إله إلا الله وبتقصير الثوب، وأتى بلا إله إلا الله وبتحريم الغناء.