أول قضايانا يا معشر الشباب: ضعف الإيمان.
ونشكو أحوالنا فيه إلى الله, ولكن أبشركم أن من علم أن إيمانه ضعيف، وشكا حاله إلى الله، وانطرح بين يدي رب العزة, وبقي عند عتبات الباب؛ يوشك أن يدخل -بإذن الله- كلما أكثر الطرق وقرع الباب.
إن أهل السنة يقولون: إن الإيمان يزيد وينقص، قال البخاري: باب زيادة الإيمان ونقصانه, قال الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَزِدْنَاهُمْ هُدىً} [الكهف:13] فتدرجوا في الهداية فأعطاهم الله الهدى, كتدرجكم في طلب العلم، وفي كثرة النوافل، وفي مصاحبة الصالحين، وفي حضور المحاضرات والدروس العلمية.
واعلموا أن الله لا يذهب علمكم سدى، قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69] وقال تعالى: {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً} [المدثر:31] وقال الله تبارك وتعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة:3] فإذا ترك شيء من الكمال فهو نقص.
يا أيها الفضلاء! إن إيماننا يضعف كثيراً, ونحن نُحارب بالشهوات والأطروحات والأفكار الهدامة صباح مساء, المتمثلة في الوسائل الإعلامية وفي الأفلام، والأندية, والجامعات, والكتبة, فمالنا حيلة إلا أن نلتجئ إلى الله, لكن في المسجد: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} [النور:36 - 37].
واعلموا -رحمكم الله- أن كثيراً من أهل العلم نص على ضرورة العمل في الإيمان، قال الحسن البصري رحمه الله: [[ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني, ولكنه ما وقر في القلب وصدقه العمل]] رواه مالك في الموطأ، وليس من كلامه عليه الصلاة والسلام.
فليس الإيمان دعاوى وكلاماً يقال:
والدعاوى مالم يقيموا عليها بينات أصحابها أدعياء
الإيمان عمل, ولعلك تفاجأ بشاب من الشباب يدَّعي حب الله عز وجل وحب رسوله عليه الصلاة والسلام، ولكنه: ينام عن صلاة الفجر, ويهجر القرآن, ويعق والديه, ويسيء الجيرة مع جيرانه, ولا يقوم بحقوق المسلمين, ولا يتمعر وجهه عند المنكرات, ولا يغضب إذا انتهكت حقوق الله ومحارمه، فأين الإيمان؟! أين الإيمان؟!
قال الربيع بن خثيم: [[أتدرون ما الداء, وما الدواء, وما الشفاء؟ قالوا: لا.
قال: الداء: الذنوب، والدواء: الاستغفار, والشفاء: أن تتوب ثم لا تعود]] فنحن بحاجة إلى أن نتوب توبة صادقة, قال تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور:31].
قال الحسن: [[القلوب تحيا وتموت، فتحيا بالفرائض والنوافل، وتموت بالمعاصي]] ونحن في زمن قل الناصح, وذهبت القدوة إلا القليل, وانطوى العلم الشرعي, ووجدت أطروحات أهل الباطل, وملكوا الوسائل, وليس لنا إلا المنبر والمحراب، ولكن معنا الله, قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9].