الابتلاء ببعث الهمة في النفوس

ومن دروس الابتلاء: أن العبد عليه أن يواصل بهمة أعظم وأعلى، وبقوةٍ وصرامةٍ، ويستمر ويؤدي لأنه قد باع نفسه من الله.

ومن الذي باع الحياة رخيصة ورأى رضاك أعز شيء فاشترى

حينها يجب على المسلم أمور:

أولها: أن يخلص لله وأن يصدق في دعوته، وأن يؤدي دعوته على أكمل وجه، وألا يتوقف، وأما هذه الابتلاءات فإنها عواصف: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرعد:17]

الحق سوف يبقى وسوف ينتصر، وسوف تبقى المساجد، وسوف يهيمن الإسلام، وتعود لنا مقدساتنا، ويعود القدس إن شاء الله، وتعود أفغانستان، وينتصر الإسلام، وترتفع لا إله إلا الله وتنتصر هذه الصحوة، ويعم الأرض -إن شاء الله- انتصار خالد، ولكن هذه التقلبات والأعاصير إنما هي في الطريق، ولكن العاقبة سوف تتم اليوم أو غداً -إن شاء الله- وليس رهناً أن نرى انتصار الإسلام في هذه الفترة فما علينا إلا أن نقدم أموالنا وأوقاتنا ودماءنا وجماجمنا ليعلم الله أننا صدقنا؛ وأننا جاهدنا، وليعلم الله أننا ثبتنا، ثم يأتي جيل بعد جيل حتى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ * لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [الأنبياء:101 - 103].

دخل الإمام أحمد إمام أهل السنة والجماعة الحبس واقفاً في القيد فأراد بعضهم أن يتنازل عن عقيدته؛ ولكنه أبى وصبر حتى انتصرت لا إله إلا الله، وانتصر وعلم الله أنه صادق، وبقي مذهب أهل السنة والجماعة يسود، وسوف يبقى ويكتسح العالم.

والبخاري ابتلاه أمير بخارى بفرية، فما كان من البخاري إلا أن التفت إلى القبلة وهو راكب وقال: "اللهم اكفنيه بما شئت" فما رفع يديه وما وضعها إلا وقد خنق السلطان مكانه {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ * يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [غافر:51 - 52].

وابتُلي مالك وجُلد، وسعيد بن المسيب شُهِّر في قميصٍ شفاف، وهو عابد في الستين من عمره؛ ذرفت عينه اليمنى من كثرة البكاء، يقول: [[ما أذن المؤذن من أربعين سنة إلا وأنا في المسجد]] ولكن أُخذ ورُكب على جمل، وهو سيد التابعين، وعلاّمة الدنيا، وزاهد المعمورة، وعالم الحديث الذي حديثه كالذهب، ركب على جمل فأخذ أطفال المدينة، ومواليها وعبيدها يضحكون عليه يطاف به وقد قلبوا وجهه إلى ظهر أو دبر البعير، ويجلدونه بالسياط وهو يقول: حسبنا الله ونعم الوكيل.

هذا هو الطريق، والذي لا يعرف هذه سوف يصاب بصدمات يوم يأتيه الخبر في دينه أو عرضه أو أهله أو أطفاله، ولذلك أكثر الناس انهزاماً الذين لا يعرفون أخبار القرآن والسيرة والتاريخ الإسلامي، إنهم ينهارون تماماً، ولكن ليعد العبد إلى التاريخ، وقبل ذلك إلى القرآن والسنة.

اقرأ التاريخ إذ فيه العبر ضل قوم ليس يدرون الخبر

أيها المسلمون: إن من أفضل المعالم التي نعلمها يقيناً أن العاقبة للحق، وأن الله لن ينصرك إلا بأعمالك، وأن الواسطات والشفاعات والدنيا إذا اجتمعت وأنت على باطل فلن تنتصر أبداً، ولكن.

فالزم يديك بحبل الله معتصماً فإنه الركن إن خانتك أركان

وقل دائماً: حسبنا الله ونعم الوكيل، وتوكل على الحي الذي لا يموت، حينها ينصرك الله.

ويقول عليه الصلاة والسلام لـ ابن عباس: {احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام، وجفت الصحف} والله الذي لا إله إلا هو، لو اجتمع أهل الأرض جميعاً على أن يكيدوك والله معك لن يكيدوك شيئاً، وإن اجتمعوا على أن ينصروك والله ضدك لما فعلوا شيئاً في نصرك، فالقوة التي لا تغلب قوة الله، وهذه أعظم الدروس: أن العبد يتخلى عن الاعتماد على الناس أو على الكيانات أو على الجهات ولا يعتمد إلا على الله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015