المال نعمة عظيمة؛ فقد دخل عثمان بن عفان رضي الله عنه الجنة بماله، وذلك: أنه جهز جيش تبوك فقال له عليه الصلاة والسلام: {اللهم ارض عن عثمان فإني عنه راض، ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم} وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وأرضاه دخل الجنة بماله، جاءته سبعمائة راحلة محملة بالتمور والحبوب والزبيب والأقمشة، فقال للتجار: كم تدفعون لي في هذا المال؟ قالوا: نعطيك في الدرهم درهماً -أي: ضعف- قال: وجدت من زادني، قالوا: نعطيك درهمين، قال: وجدت من زادني، قالوا: نعطيك ثلاثة دراهم، قال: وجدت من زادني، قالوا: نحن تجار المدينة وما زادك أحد، قال: لكني رأيت الله يعطي من ينفق في سبيله عشرة أضعاف، إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:261] أشهدكم أنها في سبيل الله لفقراء المدينة فتوزعوها، وقالوا: سقى الله ابن عوف من سلسبيل الجنة.
وقارون دخل النار بماله، وهذه الأصناف التي تحدثنا عنها يتبعون قارون بأموالهم، أموالهم رباً وطاغوت وطغيان، وفجور ومساعدة لأهل المعاصي، فلا تجد أحدهم يساهم في بناء مسجد ولا يساعد مجاهداً، ولا يعطي فقيراً، ولا يواسي معدماً، ولا يعاون متزوجاً، ولا يتصدق أبداً، إنما أمواله في حدائق وبساتين وقصور وسفريات وسيارات ضخمة، فهذا يحشر مع قارون ويكون مصيره إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم.
وما شر الثلاثة أمَّ عمروٍ بصاحبك الذي لا تصحبينا
وهناك تجار عرفوا نعمة المال والغاية منه، فسخروا أموالهم في سبيل الله، وقد سمعنا عن واحد منهم في بلادنا ماله حلال لا يعرف الربا، وأعطاه الله من الأموال الطائلة ما الله به عليم، فبنى اثني عشر مسجداً بمرافقها ولوازمها، فهنيئاً له الأجر؛ لأنه كلما صلّى مصلٍّ في مسجد من هذه المساجد، أو قرأ قارئ فله من الأجر مثل أجره، ونعرف أقواماً صرفوا الملايين للمجاهدين الأفغان حتى إن بعضهم فصّل ثياباً بالألوف المؤلفة وأرسلها إلى الأفغان، والبعض اشترى الأحذية الجلدية وأرسلها بالألوف المؤلفة إلى هناك، ليكون له مثل ما للمجاهدين من الأجر، وكثير منهم يدفع وينفق من حلالٍ فجزاهم الله عن الإسلام خيراً.
إذاً فالتوازن في الحياة هو: أن نجعل رضا الله وعبادته هي مقصودنا، والله أكبر أسمى مقصود لدينا، وأن نتجه إلى الله بأموالنا ودمائنا.
أما هذا الطاغوت الذي ران على كبار السن، وأفسد عليهم حياتهم، وضيَّع أوقاتهم، وجعل الواحد منهم كسولاً، حتى إنه إذا دخل المسجد مع الأذان ينظر في الساعة، ويصيح على المؤذن والإمام، فنقول لهذا: ضاقت بك نفسك في ربع ساعة وفي ثلث ساعة، وأنت كنت مع عمارتك وحديدك وإسمنتك ست ساعات، أفلا تضيق منها وتذكر الله تعالى؟!
ويروى عن بعض السلف أنه قال: من علامة أهل الإيمان: أنهم إذا دخلوا مساجد الرحمن كان أحدهم كالسمكة في الماء.
ومن علامة المعرض عن الله: أنه إذا دخل المسجد كان كالبلبل في القفص، وتجد كثيراً من الناس لا يأتي إلا مع الإقامة وهو أول من يخرج، لأنه مخبول العقل قد سكر بالدنيا، وخمر الدنيا يتلف الأرواح والعقول.
اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، واجعل الدين أكبر اهتماماتنا في الحياة.
عباد الله! صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] وقد قال صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاة واحدةً صلى الله عليه بها عشراً}.
اللهم صلِّ على حبيبك ونبيك محمد، اللهم اعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة يا رب العالمين، وارض اللهم عن أصحابه الأطهار من المهاجرين والأنصار ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين.