أما موسى فذاق الأمرين، رسول التوحيد أنقى وأوضح من الشمس في رابعة النهار، الذي أتى إلى الطاغية فرعون في القصر يقول له لما قال: {فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه:49 - 50] ولكن على صدقه ونصحه وعصمته ماذا فعل به؟
قال أهل التفسير وأهل التاريخ: أتى قارون بكنز عظيم -جرةً مملوءةً ذهباً- إلى امرأةٍ زانيةٍ من بني إسرائيل فقال: خذي هذه الجرة، فإذا اجتمع الناس وقام موسى فينا خطيباً، فقومي وابكي ومزقي شعرك، وأقسمي أن موسى زنا بك، واجتمع الناس وموسى يتكلم عن التوحيد والإيمان، وقارون يريد أن يمرغ دعوة التوحيد والإيمان، يريد أن يمرغ دعوة موسى عليه السلام في التراب، وأن يمرغ منهجه لئلا يثق به الناس مرة ثانية، ولئلا يصدقه الناس مرة ثانية، ولكن يأبى الله إلا أن يتم نوره، فالنور نوره، والرسالة رسالته، والرسول رسوله، والمنهج منهجه، فبينما موسى يتكلم، وإذا بالبكاء يرتفع من تلك المرأة تلطم وجهها؛ إنها الخطط البائسة؛ إنها الأكاذيب والتلصيقات، إنها أنواع من المسارح يقدمها بعض المغرضين الحاقدين على الإسلام وعلى علمائه ودعاته.
سكت موسى والتفت إلى المرأة، قالت: أنت فعلت الفاحشة بي، فتلعثم وبكى، ليس في الأرض إلا موسى الذي أرسله الله بالرسالة يفعل هذه الفعلة، فوقف يبكي، ولكنه صمد وعرف أنه ابتلاء؛ فرفع عصاه ووقف أمام المرأة وقال: أسألك بالذي شق البحر لي أفعلت ذلك؟ قالت: لا.
ثم بينت أمرها، قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً} [الأحزاب:69] فزاد وجاهةً وقوةً، وإثباتاً لمنهجه أنه صادق.