ومن العلوم الدخيلة -وهي آخر عنصر- جعل الوسائل مقاصد كالنحو والأدب، ولا يغضب عليَّ الأدباء ولا اللغويون، فإن أهل العلم كـ الذهبي والإمام أحمد وابن مخيمرة وابن رجب قالوا: من أسرف في هذه العلوم وجعلها مقاصد, فقد ضيع العلم المهم, وقد اشتغل بما لا ينفع ولا يفيد، وقال ابن مخيمرة لأحد النحاة: إياك وطلب أكثر من الحاجة في علم النحو, فإن أوله بغي وآخره عدوان.
وأنا مستعد لمن أراد أن يطلبني بالسند أن أخرج له السند عن الإمام أحمد أنه قال لـ أبي عبيدة معمر بن المثنى اللغوي: يا أبا عبيدة! لا تتشاغل بهذا النحو, فإنه مشغلة عن المهم، قال ابن رجب: النحو المحمود منه ما علمك الكتاب والسنة، وما زاد فلا حاجة له، كرد البصريين على الكوفيين، وقال سيبويه، ورد عليه الكسائي في مسائل لا تستخدمها في الكتاب ولا في السنة، وكذلك الأدب والشعر، قال الشافعي كما في سير أعلام النبلاء المجلد العاشر، في ترجمة الشافعي: الشعر أقلل منه أو أكثر، فهو غث، وقال ابن عباس كما في عيون الأخبار لـ ابن قتيبة: احفظ من الشعر الشاهد والمثل.
الشعر شريف في ثلاثة مواطن: أن تقدمه بين يدي حاجتك، أو أن تجعله وسيلة لتبليغ دعوة الله, أو تستشهد به في آية أو في معنى حديث، وما زاد على ذلك فلو حفظت دواوين الدنيا ما نفعك وإنما شغلك، وهذه من العلوم الدخيلة.
وإن الموضوع طويل طويل، ولكن أكتفي بهذا، سائلاً المولى أن ينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً, وأن يفقهنا في دينه، وأن يجعل علمنا نافعاً مفيداً خالصاً لوجهه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ونعوذ به من العلم المذموم، العلم الضار الدخيل، الذي يضيع علينا أعمارنا وشبابنا: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ} [آل عمران:193] وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.