يقول عليه الصلاة والسلام في العلم الأصيل: {العلم ثلاثة، وما سوى ذاك فهو فضل آية محكمة، أو سنة قائمة، أو فريضة عادلة} رواه أبو داود وابن ماجة وفي سند ابن ماجة ابن لهيعة وهو رجل ضعيف، فاضل عابد, لكن دخل عليه الضعف، فضعف سنده، وأما في سند أبي داود فـ عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي ضعيف، ولكن ربما تعتضد إحدى الروايتين بالأخرى فتستقيم إن شاء الله فدل كلامه صلى الله عليه وسلم على أن العلم الأصيل عند المسلمين يتركز على ثلاث نواح:
كتاب عظيم أنزله الله للناس وهو القرآن، وسنة محمد صلى الله عليه وسلم، وعلم الفرائض، وسوف تأتي علوم لا نجعلها دخيلة، بل هي إن شاء الله أصيلة، وأثر عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يستعيذ بالله من علم لا ينفع، والذي يستعيذ منه صلى الله عليه وسلم هو العلم الدخيل المشوب بالدخن، قال زيد بن أرقم: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها} رواه مسلم وزاد الأربعة: {ومن دعاء لا يسمع} وزاد الترمذي: {أعوذ بك من هذه الأربع} فتعوذ صلى الله عليه وسلم من علم لا ينفع.
وقال عليه الصلاة والسلام كما عند ابن ماجة: {سلوا الله علماً نافعاً فإنه ربما يكون العلم غير نافع} أو كما قال صلى الله عليه وسلم، ذكره في المقدمة، وكان عليه الصلاة والسلام كما روى الترمذي عن أبي هريرة يقول: {اللهم انفعني بما علمتني, وعلمني ما ينفعني، وزدني علماً} فالعلم النافع الذي يريده صلى الله عليه وسلم هو الكتاب والسنة، والفرائض، وسوف تأتي علوم تندرج تحت العلم الأصيل.
قال البخاري في كتاب العلم، وإنما العلم بالتعلم، وتعلم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم على الكِبَر، وقال ذلك لأن بعض غلاة المتصوفة، أو أهل الطرق، أو الذين أخذوا أعمال القلوب وجعلوها القضية الكبرى, يقولون: نحن لا نتعلم، إنما يأتينا علمنا من السماء، ينزل عليهم جبريل عليه السلام بالعلم، وقالوا: علمنا علم الخرق لا علم الورق، والخرق هي الثياب الممزقة التي يلبسها المتصوفة، وكانوا يغضبون على أهل الحديث إذا رأوهم يحملون صحفاً بيضاء في أيديهم، ولذلك ذكر ابن القيم في مدارج السالكين أن أحد هؤلاء المشعوذة والمتفلسفة والمتصوفة يقول: علمكم من عبد الرزاق، وعلمنا من الخلاق، عبد الرزاق بن همام الصنعاني صاحب المصنف أحد رواة الصحيحين من أكبر وأشهر المحدثين على الإطلاق، قال ابن القيم راداً على ذلك: والله يا ضعيف العقل! لولا عبد الرزاق وأمثال عبد الرزاق ما عرفت الخلاق، ولذلك قال البخاري: العلم بالتعلم وهو أن تحفظ وتكتب, وتقرأ وتدرس, وأن تطالع، ليس العلم أن يجلس الإنسان في زاوية ويقول: يفتح عليَّ فتوح, وينزل عليَّ, فهو العلم اللدني الذي يسمونه ويطنطنون به، ولذلك قال أبو سليمان الداراني كما ذكر عنه ابن كثير والذهبي: عملنا -يقصد أهل الطريق، زهدهم وعبادتهم- يقول: عملنا هذا مقيد بالكتاب والسنة، فمن لم يقرأ القرآن, ولم يكتب الحديث، فلا تثقوا به.
وأثر عن الجنيد أنه قال: إن النكتة تقع في قلبي من نكت القوم -أي كلمة يسمعها- فلا أقبلها إلا بشاهدين عدلين، وهما الكتاب والسنة، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: {اللهم إني أسألك إيماناً دائماً؛ فرب إيمان غير دائم, وأسألك علماً نافعاً؛ فرب علم غير نافع} ذكره أبو نعيم صاحب الحلية، وشطره الأول ذكره الطبراني في المعجم الكبير بسند جيد، ووقفه الإمام أحمد على ابن مسعود، وذكره الحاكم وابن حبان من حديث أنس وصححوه؛ فكأنه لا يصح مرفوعاً.