وأعود إلى هذه الأحاديث التي معنا هذه الليلة، الحديث الثامن والعشرون: عن أبي ذر رضي الله عنه وأرضاه قال: {ساببت رجلاً فعيرته بأمه، فقال لي صلى الله عليه وسلم: أعيرته بأمه؟ إنك امرؤٌ فيك جاهلية، إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده، فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا يكلفه ما لا يطيق، فإن كلفتموهم فأعينوهم} هذا الحديث في البخاري من رواية أبي ذر، وهو الذي معنا.
وعنوانه تحريم التمييز العنصري، عنوان هذا الحديث تحريم التمييز العنصري، يقول أبو ذر: {ساببت رجلاً فعيرته بأمه، فقال لي صلى الله عليه وسلم: أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية، إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده، فليطعمه مما يأكل وليبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما لا يطيقون، فإن كلفتموهم فأعينوهم} أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
Q من هو الرجل الذي سابه أبو ذر؟
ثم كيف يكون في أبي ذر جاهلية وهو من خواص الصحابة والمقدمين في الصحابة ومن الزهاد والمجاهدين والعباد؟
ثم نبذة عن أبي ذر وحياته، ثم مسائل عن موقف الإسلام من التمييز العنصري، والطبقات واختلا ف الدماء والألوان والصور.
أولاً سياق القصة في غير البخاري:
اجتمع خالد بن الوليد في مجلس عسكري رهيب، مع كبار الصحابة، يريد غزوة من الغزوات، ولما انعقد المجلس تكلم الناس -أنا لا أعرفكم بـ خالد بن الوليد أنتم كلكم تعرفون خالداً، هو قائد وهو رئيس المجلس والجلسة- فلما دار الأمر والرأي، تكلم أبو ذر بكلمة، فعارضه بلال بن رباح، داعية السماء مؤذن الإسلام، الذي أذن في أذن المدينة، فانسلخ الشرك من أخمص قدميها إلى مشاش رأسها، فاستفاقت على أذان جديد ملأ آذانها أذان بلال.
قم يا بلال أعد نشيدك في الورى للعالمين وسجل الإنذارا
ودع التماثيل التي صورت جذذاً ومزق عبدها الخوارا
وقل لـ بلال العزم من قلب صادق أرحنا بها إن كنت حقاً مصليا
توضأ بماء التوبة اليوم مخلصاً به ترق أبواب الجنان الثمانيا
بلال جاء من الحبشة يريد النور والهداية، وأبو طالب وأبو لهب لم يهتديا لكن بلالاً عرف الحق واليوم الآخر وعرف طريقه إلى الجنة، فعارض أبا ذر في رأيه، فغضب أبو ذر، وكان في أبي ذر رضي عنه حدة وسرعة غضب، وهذا فيه دليل على أن الأولياء قد يكون فيهم حدة وغضب، وقد يكون الولي بخيلاً، وقد يكون جباناً، ولكن لا يكون كذاباً.
فلما عارضه، قال أبو ذر: حتى أنت يا بن السوداء؟! وهذه كلمة غير صحيحة، بل كلمة خاطئة، هذه كلمة لا تصدر في مجتمع مسلم رباه الرسول عليه الصلاة والسلام، لون بلال أدخله الجنة، لكن ليس للونه بل لعقيدته ولمبدئه دخل الجنة، وأين لون أبي طالب وأبي لهب وأبي جهل، أما دخلوا وهم بيض مصاقيع النار!، ما نفعهم لونهم عند الله.
وفي صحيح مسلم قوله صلى الله عليه وسلم: {إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم} أيقال في المجتمع المسلم الذي رباه صلى الله عليه وسلم (يا بن السوداء)؟!
وقال بلسان الحال أنت يا أبا بكر، أنت يا أبا بكر القرشي، أخ لـ بلال الحبشي، وأنت يا عمر الكعبي أخ لـ سلمان الفارسي، أنت يا علي بن أبي طالب الهاشمي أخ لـ صهيب الرومي.
هذا هو الإسلام: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:63] {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً} [آل عمران:103].
توقف المجلس على غضض وانسل الناس من أمكنتهم وقام بلال سريعاً إلى من يطرح القضية؟!
هذه قضية الساعة لا بد أن تدرس، ذهب إلى المصطفى عليه الصلاة والسلام، وشكا إليه أبا ذر وقال: قال كذا وكذا يا رسول الله، فغضب عليه الصلاة والسلام وتغير وجهه وتحير من هذه الكلمة، واستدعى أبا ذر ليحاكمه.
إن هذه الكلمة تعارض رسالته صلى الله عليه وسلم، تعارض الإسلام، إنها تعارض كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله؛ أما هذه الدعوة، فدعوة التمييز نابليون وهتلر وأتاتورك وغاندي، أعداء البشر، وأذناب العمالة، أحفاد الشيوعية.