طلب مني بعض الأخوة، أن نعود بشيء من العود إلى درس البارحة؛ لأنه يهم النساء، يهم بنات حواء، ويهم حفيدات أسماء وزينب، هو حديث عن النساء، ولكنني لا أذكره كله؛ لأن المكرر مغرر، والنفس مولعة بمعاداة المعاد، وإعادة الحديث على الرجال أثقل من حمل الصخور من الجبال، لكنني أعود بشيء من الإيجاز بقالب آخر، يقول البخاري رحمه الله رحمةً واسعة: باب كفران العشير وكفر دون كفر، حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك بن أنس عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أُريت النار فإذا أكثر أهلها النساء يكفرن، قيل: يكفرن بالله؟ قال: يكفرن العشير ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر، ثم رأت منك شيئاً، قالت: مارأيت منك خيراً قط} وهذه رواية ابن عباس والبخاري يقول في الباب نفسه عن أبي سعيد الخدري، أي: أنه ورد عن هذا وورد عن ذاك، وهذا الحديث يحمل الرقم السابع والعشرين، وقد سبق شرحه في مكة الليلة البارحة، لكن أعود بإيجاز، خرج صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس صلاة العيد فلما لبس لباس الجمال ووقف أمام المصلين يحيى القلوب.
كما قال شوقي:
أخوك عيسى دعا ميتاً فقام له وأنت أحييت أجيالاً من الرمم
فلما انتهى من الرجال، قال لـ بلال: {انصرف بنا إلى النساء، لنحدث النساء} إنه رسول الرجال والنساء، إنه داعية الرجل والمرأة، إنه الذي أحيا الجيل عليه صلاة الله وسلامه، فاتكأ على كتف بلال بيده الشريفة، وكان النساء يخرجن إلى المصلى في صحيح البخاري من حديث أم عطية: {أمر صلى الله عليه وسلم النساء أن يخرجن وأن تعتزل الحيض المصلى} فالمرأة لها أن تحضر الدروس الإسلامية والمحاضرات، محتشمة متحجبةً عاقلةً حافظةً للغيب بما حفظ الله.
لتسمع كلمات النور والهداية، لتسمع كلمات الإيمان، وتتأثر؛ لأن جلوس المرأة في بيتها، ثم لا تصلها دعوة ولا نور ولا إيمان ولا قال الله ولا قال رسوله صلى الله عليه وسلم، ليس بصحيح، والمرأة نصف المجتمع أو أكثر، فمن هذا الدرس نأخذ أن الرسول عليه الصلاة والسلام تحدث إلي النساء وتكلم في النساء، وخاطب النساء، أتى إليهن، فوقف عليهن صلى الله عليه وسلم، فكان أول ما تكلم به بعد حمد الله والصلاة والسلام على رسول الله أن قال وهذا في حديث أبي سعيد: {تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار، فقامت امرأة -عاقلة رشيدة جريئة شجاعة- وقالت: ولم؟ -لم يا رسول الله نحن أكثر أهل النار؟ - قال: تكثرن اللعن وتكفرن العشير} ثم بين عليه الصلاة والسلام السبب.