من قواصم الظهر التي انتشرت وأفسدت كثيراً من القلوب والأعراض والبيوت: انتشار الصور الخليعة الماجنة، والصور السخيفة المتبذلة، وهي تتمثل إما في منشورات أو في مجلات، وهذه ليست بالأمر السهل، فهي تحتاج إلى كلام طويل، لكنني أردت أن تكون تحت مظلة القاصمة الكبرى من القواصم وهي قاصمة المعاصي لانتشارها، وأخذها وعدم التهيب من الله عز وجل في تداول هذه المجلة بين الناس والنظر إليها، وهي من الفواحش الكبار، ومرض هواية القلب للصور مرض عجيب فتاك.
ذكر ابن القيم في مدارج السالكين هذا المرض، وهو الوله بالصور والعشق لها، وذكر من الخطورات ما لا يعلمه إلا الله حتى تصل بصاحبها إلى درجة النفاق.
من المسائل التي أريد التنبيه عليها أيضاً في آخر هذه المحاضرة شيئاً أشرت إليه في مقدمة الكلام، وهي مسألة الولاء والبراء.
ولاؤك أيها المصلي وبراؤك لمن يكون؟! الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يقول: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [المائدة:55] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة:71] فمن تتولى؟ وممن تتبرأ؟
يقول عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه: {من أعطى لله ومنع لله وأحب لله وأبغض لله فقد استكمل الإيمان} لا يكمل الإيمان حتى يكون الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أحب إليك مما سواهما، وهو حديث أنس كما في الصحيحين: {ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود إلى الكفر كما يكره أن يقذف في النار} أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه يقول: {يا رسول الله! والله إني لأحبك أكثر من أهلي ومن ولدي ومن مالي إلا من نفسي، قال صلى الله عليه وسلم: لا يا عمر! -أي ما استكملت الإيمان، ليس هذا هو المطلوب، ليس هذا هو الإيمان - حتى أكون أحب إليك حتى من نفسك، قال: فوالله -لا يعرف المجاملة- الذي لا إله إلا هو إنك أحب إلي حتى من نفسي} رضي الله عنه وأرضاه، وصدق والله.
وفي الترمذي عنه يقول: {ودعت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأعتمر، فقال وهو يودعني: لا تنسنا يا أخي من صالح دعائك، قال كلمة لا أريد أن لي الدنيا وما فيها} وهذا غاية الحب.
فالولاء والبراء لا يكونان إلا لله، ولا بد أن يفهم هذا حتى عند طلبة العلم والدعاة، وانظر إلى من ضل عن الصراط في الولاء والبراء، وقد سبق أن أشرت إلى أن بعض الناس يجعل ولاءه لبعض الذوات أو الأشخاص أو الهيئات أكثر من ولائه لله، كالأندية وبعض المغنيين وبعض المجلات، فهو يجعل ولاءه لهذه الأمور أكثر من ولائه للواحد الأحد، أحد المجرمين الفسقة الفجار وهو نصيري يقول:
آمنت بـ البعث رباً لا شريك له وبالعروبة ديناً ما له ثاني
والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يتولاه ويحاسبه بالعدل، ويخزيه وأمثاله ممن لم يعرفوا الولاء لمن يكون، والبراء لمن يكون، كل من أحب الله واقترب من الله وجب عليك أن تواليه، فإذا كان تحت مظلة الإسلام مصلياً للخمس، فلا تنظر إلى أي أسلوب ينتهجه في الدعوة، ولا لأي مشرب؛ لأن بعض الناس يجعل اعتباراته اتجاهات وأساليب الدعوة فيوالي قوماً، ويتبرأ من آخرين على حسابها، فهذا أواليه لأنه وافقني في أسلوب الدعوة، وهذا أعاديه لأنه خالفني ولو كان هذا المخالف أتقى وأزهد وأعبد من ذاك، اتق الله في نفسك، أهذا دين يضيع؟ أهذه أوراق تحرق؟ أهذه ألعوبات؟ هذا دين الله عز وجل.
فيا أيها المسلمون! هذه اثنتان من قواصم الظهر.
والكفر أمره بيِّن لكثرته وانتشاره في القرآن، ولم أشر إليه في العناصر إلا إشارة، أما النفاق والمعاصي فهي أكبر قاصمة من قواصم الظهر، بل هي قاصمة الظهر والدين، والأخلاق والشرف، يصاب الإنسان بمصيبة في ماله فيعدها القاصمة، يموت ولده فيعدها الرزية، لكن بعضهم يصاب بقواصم في اليوم الواحد في دينه وهو كالبهيمة لا يدري أنه أصيب.
أيها الفضلاء! أيها النبلاء!
أشكركم شكراً جزيلاً، ثم أشكر مركز الدعوة هنا بـ الدمام على أن تفضل ودعا وأحسن وأجاد وبذل وأعطى، نسأل الله تعالى أن يجزل المثوبة لكل من قدم شيئاً للإسلام، أو من رفع راية الإسلام، أو من أعطى في سبيل الله لرفع دين الإسلام.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.