بقي لدي بعض المسائل، وهي وصايا سهلة، ومكررة، لكن لا بد من التكرار، فأهل الإعلانات الآن يجعلون إعلاناً على الشارع عند إشارة المرور -مثلاً- وهو يعمل على الكمبيوتر، يؤشر وينطفئ ويعيد نفس العبارة، قالوا: إذا لم تجدها في اليوم مائة مرة، فلن تشتري هذا الغرض.
ولذلك أهل الصحف دائماً في عكاظ -مثلاً- تجد إعلاناً عن الأطياب، مع أنك أنت تعرف أنها قارورة كذا، وأنها فرنسية، وأنها موجودة في السوق، لكن لكثرة رؤيتك لها وكثرة تعاودها على ذهنك تجعلك تذهب تشتريها، فوجب على أهل الحق أن يستغلوا هذه الأساليب؛ وأهل الحق الآن ينقصهم الأساليب المتنوعة، فأهل الباطل غلبونا في الأساليب، فعندهم الشاشة، وعندهم أقمار صناعية، وصحف، وإعلام، وكلماتهم رنانة.
بينما أهل الخير إذا أعلنوا فإنهم يعلنون بإعلانات ميته، وإذا تكلموا أتوا في الغالب بأساليب ميتة، فوجب على الداعية أن يكرر العبارة، لا يقول: كررت، بعض الإخوة كتب لي رسائل هنا أنه نجد بعض الأحاديث والقصص في الأشرطة مكررة، أقول: لسنا مغنيين ولا فنانين حتى نأتي كل يوم بأغنية جديدة، بل نحن نتعامل مع الكتاب والسنة، فقصة موسى أعيدت في القرآن ما يقارب ثلاثاً وعشرين مرة، تأتيك قصة موسى في البقرة، ثم في الأعراف، ثم في يونس، ثم في طه، ثم في الشعراء، ثم في القصص، وهكذا كتابنا يتجدد لكن بأساليب، إذا أتيت بالقصة فاعرضها بأسلوب، ثم ردها بأسلوب آخر، ثم اقلبها في أسلوب ثالث حتى يتقبلها الناس، فالتكرار منقبة، وليس مثلبة.
قالوا تكرر قلت أحلى علماً من الأرواح أغلى
فإذا ذكرت محمداً قال الملا أهلا وسهلا
كرر العلم يا كريم المحيا وتدبره فالمكررة أحلى
فأنت لا تيأس من المكرر، أقول: من المكررات في الوصايا: أوصيكم بطلب العلم وتحصيله، سواء كنا كباراً وصغاراً، لا يوجد عندنا في الإسلام سن لطلب العلم، وسن للحفظ، وسن للفهم، لا.
هذا عند ديكارت وكانت، أما محمد عليه الصلاة والسلام، فالعلم حتى تدخل في القبر، من المهد إلى اللحد.
يقول البخاري: (وتعلم أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام كباراً) فأنت تحرص على العلم في الستين والسبعين والثمانين، والعلم مبذول الآن وله وسائل عجيبة، منها الحلقات في المسجد، ومنها الكتب، والشريط الإسلامي، والكتيبات، ومنها سؤال أهل العلم بالهاتف، وغيرها وغيرها كثير، فطلب العلم أوصيكم به، لن يضل طالب العلم؛ لأنه يكون على بصيرة، ويسلمه الله من الشهوات والشبهات، ويكون مسدداً في أقواله وأعماله، يزداد إيماناً كل يوم، وطالب العلم ينفي الله عنه النفاق، وله من الفضائل كما صح في الحديث: {تستغفر له حيتان البحر، وطيور السماء، وحتى النملة في جحرها}.
فطلب العلم احرصوا عليه يا إخوتي! أي تخصص سواءً كنت في الكهرباء، أو في شركة، أو كنت تدرس في الطب أو الهندسة، أو المعهد الصناعي، أو التكنولوجيا، في أي مكان، سواء كنت تاجراً أو فلاحاً عليك أن تطلب العلم, والعلم سهل ميسر، فولاة العلم في بلادنا يشجعون، مساجد واسعة، وكتب محققة، والعلماء متواجدون، والوسائل سهلة، ما عليك إلا أن تطلب العلم.
والآن أبشركم أن أكثر مدن المملكة سوف يفتح فيها دروس، وقد اطلعت على خطاب من سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز موجهاً لسماحة الشيخ إبراهيم بن راشد الحذيفي، رئيس محاكم عسير يشجعه فيه على إقامة الدروس وعلى الإشراف على الدروس التي في المنطقة، وأطلعني سماحة الشيخ الحذيفي على هذا الخطاب فشكرته له.
وأبشركم أن الدروس سوف يكون لها مستقبل, فوصيتي بالحضور، وأن يجتهد العبد في تحصيل ما ينفعه، في أبها دروس كثيرة ومحاضرات، وكل صباح في هذا المسجد بعد كل فجر درس في مسند أحمد، غداً نأخذ الحلقة الثالثة والثلاثين والله الموفق، والذي نرجوه من الواحد الأحد أن يجعلها في ميزان الحسنات، ولا نسأل من الله إلا أن يكفر بها السيئات، فإنا نفتقر إلى عفوه ورحمته، ولا يؤاخذنا بذنوبنا، ونحتاج إلى دعاء منكم أنتم، وأنتم تحتاجون إلى دعاء منا، فهو مبذول ومطلوب، مبذول منا أن ندعو لكم، ومطلوب منكم أن تدعوا لنا بظهر الغيب, ولعلنا أن نسدد نحن وإياكم ونجتمع بكم في الجنة مثلما اجتمعنا هنا، حتى نتذاكر إن شاء الله، نقول: كنا في أبها نجتمع في ذاك المسجد {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ} [الطور:27 - 28].
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.