إن من سبك لم يهد لك إلا حسناته، ومن ذمك لم يقدم لك إلا درجاته في الجنة، ومن جرحك ما أعطاك إلا أجره، ومن اغتابك ما أعطاك جائزة إلا ثوابه عند الله.
أتوا إلى الحسن البصري فقالوا: اغتابك فلان اليوم.
هؤلاء قوم متبرعون لا هم لهم إلا نقل الكلام، إذا أصبحوا في الصباح قالوا: أصبحنا وأصبح الملك لله، وأصبحنا عباداً لله، ننقل النميمة بين عباد الله.
فينقلون الكلام بين الناس، ويجلس مع هذا وينقل الكلام لهذا، ثم يحول إلى هذا متبرعون وأجرهم على الله!
فأتوا إليه قالوا: سبك فلان اليوم.
قال: ماذا قال في؟
قالوا: قال فيك كيت وكيت.
فأخذ الحسن رطباً في طبق وقال: اذهب به إليه، وقل له: أهديت لنا حسناتك وأهديناك رطباً.
والحسنات أغلى من الرطب، ما سمعنا أن البلح يوماً من الأيام حتى في الغلاء أغلى من الحسنات.
وجاء رجل إلى ابن سيرين قال: اغتبتك اليوم فسامحني.
قال: والله لا أحل لك ما حرم الله.
وهذا منهج آخر.
وابن سيرين فقيه عاقل، لو قال له: سامحك الله لرجع هذا الرجل يأخذ الناس في قوائم، كلما أصبح وكلما أمسى يجرح ويعدل، ويمدح ويذم، فأوقفه عند حده حتى يكون درساً له لا يغيب عنه.
يا إخوتي في الله إن مدرسة الصحابة رضوان الله عليهم يوم أتت أتت بالحب والصفاء والود، كان الواحد منهم إذا غاب ثم أتى، استقبل استقبالاً حافياً بعناق وأخوة وحب في الله.