يقول عليه الصلاة والسلام: {والله لا تؤمنوا -وفي لفظ آخر- والله لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم}.
تريدون أن تدخلوا الجنة بالإيمان، لكن من أين يأتي الإيمان؟
أصلاة وزكاة وحج وعمرة لكن ضغينة وقلب يتوقد على عباد الله؟!
إنسان يريد لكثير من الناس السوء والمحق والخسار والدمار أين مفهوم الإسلام؟ {والله لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم} ما أحسن هذا الكلام!
أتى أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه، فسمع أن الأنصار بعد وفاة المصطفى صلى الله عليه وسلم اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة لأخذ زمام المبادرة في الحكومة الجديدة الإسلامية، وقالوا: منا الخليفة.
أبو بكر تعلم في مدرسة الإسلام أن الأمور تؤخذ بالشورى وبالنصيحة لعباد الله وباللين.
فذهب إلى عمر فقال عمر: إنا نخاف على أنفسنا سبحان الله! أمن الأنصار؟! {وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر:9].
قال أبو بكر: لا والله، هم الأنصار.
يكفي أنهم الأنصار، فدخلوا عليهم ليسمعوا الكلام، ويتثبتوا من الحديث، ويدلوا بالآراء، فالأمر شورى والحقوق قضاء، فجلس أبو بكر وسمع أنهم يريدون الخلافة فيهم، قال عمر: وقد زورت كلاماً في صدري (أي أنه حضر محاضرة رنانة طنانة في صدره) ولكن أبا بكر لم يسمح له وقال: على رسلك يـ ابن الخطاب! وابتدأ الصديق شيخ الخلافة يتكلم بكلام كالدر، أترون الدر كيف ينسكب؟! الكلمة الطيبة يحيى الله بها القلوب، وتأسر الأرواح وتسل الضغينة:
بالله لفظك هذا سال من عسل أم قد صببت على أفواهنا العسلا
أم المعاني اللواتي قد أتيت بها أرى بها الدر والياقوت متصلا
لو ذاقها مدنف قامت حشاشته ولو رآها غريب داره لسلا
{وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الإسراء:53] فإن التي هي أسوأ تشتت، الكلمة غير المسئولة تهدم أكثر مما تبني، الكلمة المدمرة تهدم الصفوف، تضيع الجهود، تحرق الأوراق في الساحة.
فقال أبو بكر: يا معشر الأنصار! جزاكم الله عن الإسلام وعنا خير الجزاء، واسيتمونا بالدار والمال، والله ما مثلنا ومثلكم يا معشر الأنصار إلا كما قال طفيل الغنوي -وهو شاعر جاهلي يمدح قبيلة:
جزى الله عنا جعفراً حيث أشرفت بنا نعلنا في الشارفين فزلتِ
همُ خلطونا بالنفوس وألجئوا إلى غرفات أدفأت وأظلتِ
أبوا أن يَمَلُّونا ولو أن أُمَّنا تلاقي الذي يلقون منا لملَّتِ
ثم قال: نحن الأمراء وأنتم الوزراء، نحن الشعار وأنتم الدثار، والخلافة فينا، فقاموا وصافحوه وبايعوه.
هذا الحديث رواه الشافعي في كتاب السير بسنده إلى الشعبي.
لما بايعوه لأن كلمته طيبة، منتجة، مثمرة، فرضي الله عنه وأرضاه.