أما الاستسقاء فيقف عليه الصلاة والسلام على المنبر يوم الجمعة: اسمعي يا بشرية! واسمعوا يا قوم! يقف على المنبر يوم الجمعة والسماء صافية لا غمام ولا سحاب ولا مطر, وهذه المعجزة لو ألقيت بين الملاحدة في موسكو لآمنوا إن كان لهم قلوب, فيدخل أعرابي فيقول: {يا رسول الله! جاع العيال وضاع المال؛ فادع الله أن يغيثنا} فيتبسم عليه الصلاة والسلام! لماذا يتبسم؟ الله أعلم, ربما تبسم لأنه ليس في السماء شيء ينبئ عن نزول الغيث, توقعات الفلكيين خطأ.
تقضون والفلك المسير دائر وتقدرون فتضحك الأقدار
يقول أهل الفلك وأهل التوقعات: غداً سينزل الغيث فما ينزل غيث غداً, فإذا الشمس تقطع الظهور, ويقولون: السماء صافية ولا غمام ولا سحاب ونتوقع عدم نزول الأمطار, فإذا في الصباح سيول تأخذ الجبال وتكسر الجسور، حكمة بالغة، وقدرة نافذة فما تغني النذر!
هذه التوقعات لم تكن عنده عليه الصلاة والسلام لكن ثقة بالله, والصحابة أمامه وهو في خطبة الجمعة يتبسم, يتبسم من معجزة سوف تأتي ما مثلها معجزة أبداً, فيرفع يديه ويقول: {اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا، قال أنس: والله ما في السماء من سحاب ولا قزعة -أبداً سماء صافية, حر المدينة يسقط الشعر من على الرءوس- قال: فثارت سحابة كالترس -كالكف- من وراء جبل سلع ثم توسطت سماء المدينة ثم ثارت كالجبال, ثم غطت سماء المدينة , ثم أبرقت وأرعدت وأزبدت ثم أمطرت} فنزل الغيث وهو على المنبر ما زال يتحدث للبشرية, فنزل الماء من على سقف المسجد يتهلل ويتحدر على جبهته الشريفة ولحيته، وهو يتبسم في الخطبة من هذا, يتبسم من العجب, وهو يقول: {أشهد أني رسول الله} ونقول: نشهد أنك رسول الله, ونشهد أنك صادق، ونشهد أنك أمين، ونشهد أنك ناصح، ونشهد أن مبادئك حقة سوف تبقى ما بقي في الأرض مسلمون.
{أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ} [الطور:15] أخرافة هذه؟ هل هذه أسطورة؟ هل هذه ألغاز الشعوذة والكهنة والسحرة؟ لا, {إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} [الذريات:23].
وبعد أسبوع يستمر المطر أسبوعاً وتسيل أودية المدينة , ويدخل الأعرابي من الباب أو غيره فيقول: جاع العيال من كثرة الأمطار, وضاع المال, وتقطعت السبل, فاسأل الله أن يرفع عنا الغيث, فيتبسم عليه الصلاة والسلام, ويقول بيده الشريفة: {اللهم حوالينا ولا علينا, اللهم على الضراب وبطون الأودية ومنابت الشجر} فلا يشير إلى جهة إلا وينزل الغيث في تلك الجهة, يشير شرق المدينة فيتحول المطر شرق المدينة , ويشير شمالها فيتحول شمالها، ويخرج الناس من المسجد والمدينة شمس فقط ليس فيها مطر، بدعائه عليه الصلاة والسلام.