وواجبنا في الأيمان أمور:
أولها: ألا نحلف إذا اضطررنا إلى اليمين إلا بالله تبارك وتعالى.
قال الشافعي رحمه الله تعالى كما ذكر ذلك عنه الذهبي: ما حلفت بالله صادقاً ولا كاذباً في حياتي؛ توقيراً لله تبارك وتعالى وتعظيماً له.
وقال مطرف بن عبد الله بن الشخير: عظِّموا الله تعالى، لا يقل أحدكم لمولاه: أخزاك الله، أو قبحك الله، فتقرنون الله بهذا الكلام.
وذكر ابن تيمية رحمه الله أن محمد بن جعفر الصادق كان إذا قال له الرجل: لا والله؛ احمر وجهه إجلالاً لله تبارك وتعالى.
فالذي لا يستكفي بالله عز وجل فلا كفاه الله، والذي لا تشفيه اليمين به تبارك وتعالى، بأسمائه وصفاته فلا شفاه الله؛ لأنه قد عظّم غير الله أكثر منه.
ثانياً: على المسلم إذا حلف على يمين، ورأى غيرها خيراً منها أن يُكفِّر عن يمينه، وأن يأتي الذي هو خير.
فعن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه وأرضاه -كما في الصحيحين - قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها، فكفِّر عن يمينك وأتِ الذي هو خير} والذي يحنث في يمينه، أو الذي يلج في يمينه؛ هو الرجل الذي يحلف ألا يفعل الخير، ثم يمنعه يمينه عن فعل الخير، وهذا هو المقصود بقوله تبارك وتعالى: {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ} [البقرة:224] أي: مانعاً عن فعل الخير، فبعض الناس يحلف ألا يزور أقاربه، وألا يصل أرحامه، وألا يبر أباه، فواجب هذا أن يكفر وأن يعود إلى ما هو خير.
ثالثاً: ومن واجبنا في الأيمان كذلك ألا نحلف بغير الله تبارك وتعالى -كما أسلفت- فإنه شرك، ويدخل في ذلك الحلف بالطلاق والحرام؛ فإن هذا تعظيم لغير الله، والطلاق في الإسلام إنما وضع لفظاً لمفارقة الزوجة، لا لليمين، ولا لعقد الحلف، فمن فعل ذلك؛ فقد عظَّم غير الله أكثر منه تبارك وتعالى، وكثيرٌ من الناس لا يستجيبون إلا بالطلاق وبالحرام، وما هذا إلا لبدعتهم وجهلهم، وقلة فقههم، ولقلة عظمة الله عز وجل في قلوبهم، فأولى لهم ثم أولى أن يرضوا بالله تبارك وتعالى.
ذكر الغزالي في إحياء علوم الدين [[: أن عيسى عليه السلام رأى سارقاً يسرق، فقال عيسى للسارق: أتسرق؟ قال: والله ما سرقت.
-وقد سرق- فقال عيسى عليه السلام: صدقت بالله عز وجل وكذبت عيني]].
وذلك احتراماً لليمين؛ لأنه حلف بالله.
وفي سنن أبي داود عن سهل بن سعد {أن رجلاً أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد فعل فعلاً، فقال صلى الله عليه وسلم: أفعلت ذلك؟ قال: لا والله الذي لا إله إلا هو.
فقال صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لقد فعلته، ولكن غفر الله لك بالتوحيد} لأنه قال: والله الذي لا إله إلا هو.
رابعاً: ومن واجبنا في الأيمان: ألا نلغو بكثرة امتهان اسم الله عز وجل على الألسن، وفي المجالس والمنتديات؛ فهذا من قلة توقير الله تبارك وتعالى، فإن كثيراً من الناس يحلف في مجلسه عشرات المرات يقوم فيحلف، ويجلس فيحلف وهذا من قلة تعظيمه لربه تبارك وتعالى، فإن الله عظيم ولا شيء أعظم منه تبارك وتعالى، ولا يحلف الرجل إلا عندما يستحلف، فله أن يحلف.
وتقدم رجلٌ إلى محمد بن أبي داود الظاهري، فاستحلفه فحلف، فقال: كيف تحلف وأنت التقي الورع؟ فقال: إن الله أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يحلف في كتابه، فقال: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [التغابن:7] {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي} [يونس:53] فواجب على المسلم أن إذا استحلف في أمر وهو صادق أن يحلف.
خامساً: من واجبنا في الأيمان -وخاصة أهل التجارة والبيع والشراء- ألا يتعرض للفظ الجلالة دائماً؛ فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال كما في الصحيحين: {ثلاثة لا ينظر الله إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: المسبل، والمنان، ورجل عرض سلعته بعد العصر، فحلف بالله عز وجل أنه أعطي بها كذا وكذا وقد كذب} فبعض الناس لا يبيع سلعته إلا باليمين الفاجرة.
وصح عنه صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة في الصحيحين أنه قال: {اليمين منفقة للسلعة مذهبةٌ للبركة} فلا يبارك الله في مال الفاجر، ولا في سلعته، ولا في تجارته، فانتبهوا بارك الله فيكم لهذه الأمور.
سادساً: ومما يجب علينا كذلك: أن ننهى عما ابتدعه الناس من شركيات في ألفاظهم، كقول بعضهم: وحياتي، وشرفي، ونجاحي، وكرامتي، ولو كان له شرف وكرامة، لما كرم إلا الله، ولما عظَّم إلا الله، وهذا منتشر في الناس، إلا من رحم الله تبارك وتعالى.
فيا أبناء من نشروا لا إله إلا الله! ويا أحفاد من بينوا للناس التوحيد الخالص! هذه دعوته صلى الله عليه وسلم، وهذه رسالته، فاحفظوا أيمانكم، واحفظوا لهجاتكم، واحفظوا ألسنتكم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70 - 71].
ذكر الذهبي وابن كثير أن الحسن بن هانئ الشاعر وفد على ملك من ملوك الدنيا، فقال له:
ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار
يخاطب بشراً مثله، لا يملك ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً؛ فابتلى الله هذا الرجل بمرض عضال؛ أسهره في الليل، وأحرمه الطعام، حتى يعرِّفه من هو الواحد القهار، فتداول عليه الأطباء، وأتاه الممرضون، فما أجدى فيه علاج، وأخذ يتقلب على فراشه يبكي ويقول:
أبعين مفتقر إليك نظرتني فأهنتني وقذفتني من حالقِ
لست الملوم أنا الملوم لأنني علقت آمالي بغير الخالق
فمن علق أمله بغير الله؛ خذله الله عز وجل ومقته وأذله.
وبعض الشركيين يتلفظون بألفاظ شركية بدعية، سوف يحاسبهم الله بها يوم العرض الأكبر، ومنهم البرعي، حيث يخاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول:
يا رسول الله يا من ذكره في نهار الحشر رمزاً ومقاما
فأقلني عثرتي يا سيدي في اكتساب الذنب في خمسين عاما
والرسول عليه الصلاة والسلام بشر لا يملك ضراً ولا نفعاً، ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً، فلا يعبد إلا الله، ولا يعظم إلا الله، ولا يحلف إلا بالله.
فاتقوا الله عباد الله، وأصلحوا من قلوبكم وألسنتكم، أصلح الله لنا ولكم ما ظهر من أمرنا وما بطن.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم.