وفي الطبراني بسند صحيح، عن سلمان الفارسي، الباحث عن الحقيقة، سفير الإسلام إلى أهل فارس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولهم عذابٌ أليم.
قالوا: من هم يا رسول الله خابوا وخسروا؟ فقال: أشيمطٌ زانٍ، وعائل مستكبر، ورجلٌ جعل الله بضاعته، لا يبيع إلا ويكذب، ولا يشتري إلا ويكذب}.
فأما قوله صلى الله عليه وسلم: (أشيمط زانٍ) فهذا شيخ شائب، شابت لحيته، وشاب رأسه في الإسلام، ثم وقع في الكبائر، ومنها: الزنا، بعد أن وعظه الله بالشيب، قال ابن عباس رضي الله عنهما وأرضاهما، لما قرأ قوله تبارك وتعالى: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} [فاطر:37] قال: [[النذير والله الشيب]] وكفى بالشيب نذيراً.
ومر عمر رضي الله عنه وأرضاه برجل وهو يترنم بقصيدة، ويقول:
كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا
فدمعت عينا عمر وقال: [[إي والله، كفى بالإسلام والشيب للمرء الذي يخاف الله ناهياً]] وأثر عن إبراهيم عليه السلام: [[أن الشيب لما ظهر في لحيته نظر إلى المرآة، فقال: يا رب ما هذا الشيء الأبيض في لحيتي؟ قال: يا إبراهيم! هذا وقار.
فقال: اللهم زدني وقاراً]].
فمن وقرَّه الله بالشيب، ثم وقع في الفواحش؛ فلن ينظر الله إليه يوم القيامة، ولا يزكيه يوم يزكي الصالحين، وله عذابٌ أليم، فهذا أشيمط أسرف في الخطايا، شيخٌ ومذنبٌ ومسيء، وقد دنى من حفرته ولبس أكفانه!
كان سفيان الثوري يقول: [[يا من بلغ الستين سنة! خذ لك كفناً على أكتافك، واحفر قبرك فإنك بلغت من الموت قاب قوسين أو أدنى]].
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (عائل مستكبر) فهو فقير يتكبر على عباد الله -حشفاً وسوء كيلة- ليس عنده ما يدعوه إلى التكبر، أو يجذبه إلى الزهو والعجب، ثم ينفخ صدره، ويزور بزوره، فهذا ممقوت مبخوس الحظ، فاقد عند الله عز وجل، وإلا فإن الله عز وجل إذا أراد أن يصحح نية العبد جعله من المتواضعين، قال تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً} [الفرقان:63].
وأثر عن موسى عليه السلام: [[أن الله أوحى إليه، فقال: يا موسى! أتدري لماذا اصطفيتك من الناس، واخترتك من بني إسرائيل؟ قال: لا يا رب.
قال: نظرت في قلوب بني إسرائيل، فوجدت قلبك يحبني أكثر من كل قلب، ورأيتك ما جلست مع أحد إلا شعرت في نفسك أنك أوضع منه، وأنك أحقر منه]] ومصداق ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين: {من تواضع لله رفعه، وحق على الله ألا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه}.