ابن تيمية والملك

ذكر الشيباني كلمة وأنا وجدت كلمة أخرى في غير كتابه في ترجمة ابن تيمية، أن ابن تيمية كان يدخل على ابن قطلوبك، وهو سلطان سلجوقي مسلم، فدخل عليه ابن تيمية يعظه، فقام هذا السلطان واحتفى بـ ابن تيمية وقال: يـ ابن تيمية وددنا أننا أتيناك في بيتك، فأنت عالم زاهد مجاهد قال ابن تيمية: دعنا من كدوراتك يـ ابن قطلوبك، كان موسى يأتي فرعون في اليوم مرات، قال: سمعنا يـ ابن تيمية أنك تريد ملكنا، قال: أنا أريد ملككم؟! قال: نعم، قال ابن تيمية: والله الذي لا إله إلا هو ما ملككم عندي يساوي فلساً، إني أريد جنةً عرضها السماوات والأرض.

فلذلك يقدم بعض الناس الدنيا في حياته ومهماته، قال صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه: {تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميلة، تعس عبد الخميصة، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش} وأقول: تعس عبد السيارة، تجد بعض الناس يسلخ في هذه السيارة ويغسل، ويطيب فيها، ويغير، دائماً هو في البنشر، وعند صاحب الديزل، يحميها ويعطرها ويزينها وهي سيارة، لن تلد بغالاً ولا حميراً.

يا متعب الجسم كم تسعى لخدمته أتعبت نفسك فيما فيه خسران

أقبل على الروح واستكمل فضائلها فأنت بالروح لا بالجسم إنسان

وبعض الناس في العمارات، كل يوم يبني داراً، يوسع في الحدائق والمجالس، وقد تهدم قلبه، فهو خراب لا قرآن ولا حديث ولا نور ولا هداية، لكن تعال إلى البيت وانظر إلى الكنبات والنور، وانظر إلى المداخل والمخارج، وانظر إلى الحدائق الغناء تجد عجباً؛ ولكن القلب خواء.

لا بأس بالقوم من طول ومن قصر جسم البغال وأحلام العصافير

{وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ} [المنافقون:4]

دخل أبو العتاهية على هارون الرشيد، وكان قد زين هارون الرشيد قصره، وأبو العتاهية شاعر زاهد، قال: كيف القصر يا أبا العتاهية؟ قال: جميل لكن فيه عيب، قال: ما هو عيبه؟ قال: يموت صاحبه ويخرب القصر، قال: أما قلت شعراً في قصري؟ قال: قلت شعراً، قال: ماذا قلت؟ قال:

عش ما بدا لك سالماً في ظل شاهقة القصور

قال: هيه، أي: زد.

قال:

يجري عليك بما أردت مع الرواح وفي البكور

قال: هيه.

قال:

فإذا النفوس تغرغرت بزفير حشرجة الصدور

فهناك تعلم موقناً ما كنت إلا في غرور

استعرض المأمون جيشه، وهو في سكرات الموت، في طرسوس، وقيل في طوس، والمدينتان موجودتان، لكن اختلفوا هل مات في طوس أو في طرسوس؟

فلما أتته الوفاة قال: أخرجوني وقد كان المأمون فصيحاً؛ إذا تكلم كأن السحر ينطق على لسانه، قال: أخرجوني، فأخرجوه فرأى القادة والوزراء والأمراء، فالتفت إلى السماء، وبكى وقال: يا من لا يزول ملكه، ارحم من زال ملكه.

باتوا على قمم الأجْبال تحرسهم غُلب الرجال فما أغنتهم القلل

واستنزلوا بعد عز من قصورهم إلى قبورهم يا بئسما نزلوا

أمر الدنيا سهل، بل إن حاجيات الإنسان الكمالية أمرها سهل، ولذلك تجد كثيراً من المعرضين والمفرطين في تقوى الله، والمفرطين في طلب العلم، والمفرطين في حفظ الوقت، تجد أحدهم يستغرق الساعات الطويلة في لباسه ساعة وهو يمشط رأسه، وساعة وهو أمام المرآة، وساعة وهو يلبس اللباس، وساعة وهو يكوي الغترة، وساعة يتطيب، نهاره كذلك!!

ماذا فعلت؟ ماذا قدمت؟ عمر رضي الله عنه يخرج ببردة مقطعة، لكن من مثل عمر؟! يهتز منه كسرى وقيصر وهم في الملك، أبو بكر يخصف نعله، بل محمد عليه الصلاة والسلام يخرج في شملة، وهو رسول رب العالمين، عمروا أرواحهم، ولم يلتفتوا كثيراً إلى ملابسهم، ونحن عمرنا دورنا، وهدمنا قلوبنا، وزينا ملابسنا، وشوهنا أرواحنا، فنشكو حالنا إلى الله:

متى يهديك قلبك وهو غافٍ إذا الحسنات قد أضحت خطايا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015