وصح أن العاص بن وائل السهمي من سادات قريش، وقد انتهت السيادة والله، فلا سيادة إلا بالتقوى، يقول عمر بن عبد العزيز: [[لما أتى الإسلام أسكت كل منافق وأبطل كل نافق، وأنطق كل ناطق، فتحدثت الكائنات بلا إله إلا الله، وأرغم الكفار بأنوفهم في التراب]].
فأتى بلال يؤذن من الحبشة، وأتى سلمان من أرض فارس يقول: لبيك اللهم لبيك، وأحرم صهيب من أرض الروم، وتولى أبو جهل وأمية والعاص بن وائل فكبكبوا على وجوههم في النار.
جاء العاص بن وائل بعظم يحته -لأن مشكلة الجاهليين عدم الإيمان باليوم الآخر، أدمغتهم كأدمغة الحمير! لم تهضم هذه القضية، كل قضية يهضمونها إلا قضية البعث بعد الموت- أتى بعظم فحته، ثم نفخه أمام الرسول عليه الصلاة والسلام ثم قال: يا محمد، أتزعم أن ربك يحيي هذا بعد أن يميته؟ قال: {نعم ويدخلك النار} وأنزل الله جواباً له ولأمثاله: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس:78 - 79].
ذكر أهل الترجمة كـ الحكيم الترمذي وغيره، أن مجنون ليلى ركبه هوى ليلى -وبعض الناس يضيع ستين سنة مع أغنية أو امرأة أو كأس- فغنى بحبها حتى صار مجنوناً، يقول في بيتين له:
أتوب إليك يا رحمان مما جنت نفسي فقد كثرت ذنوب
وأما عن هوى ليلى وتركي زيارتها فإني لا أتوب
نعوذ بالله من الخذلان، لماذا لا يتوب؟ هكذا ركبه الهوى!
اللهم لا تمكر بنا، بل نتوب إليك من جميع الذنوب والخطايا، وكان عليه الصلاة والسلام يبكي في قيام الليل وهو يقول: {اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقه وجله، أوله وآخره، وعلانيته وسره} ما أحسن الدعاء! ليس كمن يقول:
وأما عن هوى ليلى وتركي زيارتها فإني لا أتوب
أغواك شيطانك وأعرضت عن منهج الله، ولو عرفت طريق الهداية لما قلت هذا الكلام.
وحكوا قصة رجل ركبه هواه آخر يوم في حياته وقد حضرته سكرات الموت، والوعد الحق يوم ينسى الإنسان زوجته وولده وأهله أتدرون ماذا يقول في سكرات الموت؟ يقول وهو يوصي أحد أبنائه:
إذا مت فادفني إلى جنب كرمة تروي عظامي بعد دفني عروقها
الكرمة العنب، وهي التي يتخذ منها الخمر، فيقول: إذا مت فابحثوا لي عن عنبة؛ لأني لا أعيش إلا على العنب والخمر في الدنيا، عسى قبري أن يكون بجانب عروقها تروي عظامي.
قال أهل العلم: اللهم لا تمكر بنا وثبتنا على الخاتمة الحسنة.
إذا علم هذا فأمثال ذلك كثير، أن صاحب المغني الفقيه الحنبلي، يشاركنا في الهوى المضل وهو يتكلم عن الفقه، ثم يضرب مثالاً على آمين يقول أحدهم:
يا رب لا تسلبني حبها أبداً ويرحم الله عبداً قال آمينا
وممن اتبع هواه وركبه شيطانه: القروي وهو شاعر مجرم، استقبل في دمشق على الأكتاف، سبحوا بحمده وأنزلوه من الطائرة، فوقف يحيي الجماهير، وركبه هواه، ونسي الواحد الأحد فقال في قصيدة له:
ألا مرحباً كفراً يؤلف بيننا وأهلاً وسهلاً بعده بجهنم
هبوا لي ديناً يجعل العرب أمة وسيروا بجثماني على دين برهم
وتولاه الشيخ عبد الرحمن الدوسري رحمه الله بسبعمائة بيت، فأخسأه وحقره، وقال: ركبك شيطانك وغلبك هواك.