القوة العلمية

وأما القوة العلمية: فإنني أنصح نفسي وإخواني من الأساتذة أن يكونوا في موقف القوة، والقوة عند التلاميذ والطلاب ليست بكبر العضلات ولا بالحدقتين ولا بالعينين، ولا بضرب الكف على السبورة، ولا بهز الماسات ولا برفع الصوت وبالإزعاج لا.

هذه فقط تغطي مُركَّب النقص، فإن بعض الأساتذة إذا شعر أنه لا يحمل مادة ولا رسالة أتى يستخدم الحرب المعنوية ليغطي نقصه في الفصل؛ إما بالضرب على ماسته، وإما بالإزعاج، وإما بالتهديد والتخويف، وإما بذكر سجلات حياته؛ فيترجم لنفسه نصف المحاضرة، ولد عام كذا، وكان من أذكى الناس، وكان فريد العصر، وأستاذ دهره، ولكن لا أستاذ ولا فريد إنما هو أمامنا بشحمه وعصبه ودمه.

ولو أني بليت بهاشمي خئولته بنو عبد المدان

لهان عليّ ما ألقى ولكن تعالوا فانظروا بمن ابتلاني

وقوة الأستاذ -عند جميع الأمم بما فيهم المسلمون- القوة العلمية، هو أن يظهر بمادته بتحضير وأصالةٍ، فيعرض المادة عرضاً متيناً جيداً، وحينها يسكت الطلاب، ويحترمونه ويجلونه؛ لأنهم يجلسون أمام علم ورجل يتكلم بجدارة، وأمام أستاذٍ له أصالة وعمق، يتكلم وهو أدرى بمادته من مركز القوة، وهذه هي قوة العلم.

ومن يستقرئ الساحة التربوية يجد أن الأساتذة الذين يمتلكون قدرات للتحضير هم أهيب الناس عند الطلبة، يحترمونهم ويقدرونهم، ويجد أن الأستاذ الذي لا يحمل مادةً ولا رسالة ولا تحضيراً من أخفق الناس في اجتلاب القلوب، وفي الهيمنة والتسلط المقبول على الطلبة فلا تفوتنا القوة العلمية.

أيها الإخوة الأبرار! كلٌ في تخصصه، لا أقول للمربي أن يكون مفتياً في الحيض والطلاق والرضاع، ولا للمفتي أن يكون تربوياً يعرف ما كتب في التربية وعلم النفس، ولا لصاحب الجغرافية أن يكون مفسراً بارعاً، كـ ابن كثير أو الطبري، قد علم كل أناس مشربهم، ونحن نؤمن بالتخصص بشرط أن يكون مع الجميع حد أدنى من العلم الشرعي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015