إذا عُلم هذا، فليعلم أن مما يخف الابتلاء عند كثير من أهل العلم، ما ذكره ابن القيم في كتابه زاد المعاد:
أولاً: أن تؤمن بالقضاء والقدر، فإنه أعظم معالم أهل السنة والجماعة وفي أول حديث في صحيح مسلم عن يحي بن يعمر قال ابن عمر لما حدث أن قوماً في العراق لا يؤمنون بالقضاء والقدر قال: {والذي يحلف به ابن عمر، وفي لفظ والذي نفسي بيده، لو أنفق أحد منهم مثل أحد ذهباً ما تقبل منه حتى يؤمن بالقضاء والقدر} وفي حديث صحيح عن عبادة بن الصامت، أنه قال لابنه عندما حضرته الوفاة: {يا بني! عليك بالإيمان بالقضاء والقدر، فو الذي نفسي بيده، إن لم تؤمن بالقضاء والقدر، لا ينفعك عملك أبداً}.
وفي سنن الترمذي بسند حسن من حديث ابن عباس في حديثه الطويل قال: {كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي: يا غلام! إني أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك -انظر ما أحسن الكلمات- احفظ الله تجده تجاهك، تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة -ثم قال:- واعلم أن النصر مع الصبر واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك} فأول ما يخفف الابتلاء والمصائب قضية الإيمان بالقضاء والقدر، ومن لم يؤمن بالقضاء والقدر فلا قبل الله له صرفاً ولا عدلاً، ولا كلَّمة ولا زكَّاه وله عذاب أليم.
ثانياً: أن تعرف أن ما أصابك إنما هو قليل بالنسبة لما أعطاك الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} [النحل:96] فما أصاب الله العبد بمرض أو هم أو غم أو حزن إلا كفَّر الله به من سيئاته، فاعلم أنها تكفر عنده سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ولا تضيع.
ثالثاً: أن تتسلى بالمصابين والمبتلين من الناس، وأن تعلم أن كل دار فيها مصيبة، وأنه ما ملئت دار حبرة إلا ملئت عبرة، وفي كل واد بنو سعد، ولذلك قالت الخنساء: تسليت ببكاء الثكالى حولي، ثم قالت:
ولولا كثرة الباكين حولي على إخوانهم لقتلت نفسي
فالتسلي بمصائب الناس وتذكرها، من أعظم ما يزيل الكرب عن النفوس، أو يخفف المصيبة، وذكر ذلك ابن القيم فقال: واعلم أن في كل دار بني سعد.
إذا عُلم هذا فإن الذي يخففها أيضاً: أن تعلم أنها أقل مما كانت، فإن الله عز وجل يخفف بعض المصائب عن بعض، وأعظم مصيبة تصيب العبد مصيبة في الدين، فهي التي لا جابر لها، ولا مسلي، ولا معزي، ومن كل شيء عوض إلا من الله، فإذا فاتك فاتك، ومن كل شيء تسلية إلا الدين، فإذا فاتك فوالله ما بعده تسلية ولا عزاء ولا عوض، فاحمد الله عز وجل أن أصبت بمصيبة في جسمك، أو ولدك أو عرضك، ولم تصب بمصيبة في دينك، فإنها من أعظم المصائب، بل هي أم المصائب، ولا جابر لها إلا التوبة والعودة إلى الله عز وجل.