الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، وتبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً، الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديراً، اللهم لك الحمد خيراً مما نقول، وفوق ما نقول، ومثلما نقول، لك الحمد بالإيمان، ولك الحمد بالإسلام، ولك الحمد بمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، عز جاهك، وجل ثناؤك، وتقدست أسماؤك، ولا إله إلا أنت، لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا.
اللهم صل على نبيك الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، لسان الصدق الذي بلغ الوحي بأحسن عبارة، وأذن الخير الذي تلقى الوحي فصاغه بألطف إشارة، صلى الله على سيف النصر الذي كسر الله به ظهور الأكاسرة، وقصر به آمال القياصرة، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أمَّا بَعْد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته، وأشكر مكتب الدعوة هنا في عنيزة وفضيلة الشيخ حمود الصائغ، وأشكركم على حسن استقبالكم، وقد سعدنا اليوم بزيارة شيخنا ووالدنا الشيخ محمد الصالح بن عثيمين، فكان مع اللقاء بعض الأبيات، أستأذنكم في إلقائها بين يدي المحاضرة، وهي تكملة لما مر في بريدة البارحة:
قل للرياح إذا هبت غواديها حي القصيم وعانق كل من فيها
واكتب على أرضهم بالدمع ملحمة من المحبة لا تنسى لياليها
أرض بها علم أو حاذق فهم يروي بكأس من القرآن أهليها
عقيدة رضعوها في فتوتهم صحت أسانيدها والحق في يرويها
ما شابها رأي سقراط وشيعته وما استقل ابن سينا بواديها
ولـ ابن تيمية في أرضهم علم من الهداية يعلو في روابيها
إذا بريدة بالأخيار قد فخرت يكفي عنيزة فخراً شيخ ناديها
محمد الصالح المحمود طالعه البارع الفهم والدنيا يجافيها
له التحية في شعري أرتلها بمثل ما يحمل الأشواق مهديها
سالت قريحته بالحق فاتقدت نوراً فدنيا الهدى زانت نواحيها
أمَّا بَعْد: فموضوعنا في هذه الليلة (صبر الأولياء في منازل الابتلاء) وهذا الموضوع توحيه الفطرة للعبد، يوم أن فطر الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى العباد على الصبر وعلى الجزع، وعلى الشكر وعلى الكفران قال تعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً * إِنَّا خَلَقْنَا الْإنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} [الإنسان:1 - 3] والصبر من مقامات العبودية عند أهل السنة والجماعة، بل ومن أعظم المقامات وقد ذكره الله في القرآن في أكثر من تسعين موضعاً، فمدح الصبر، ومدح الصابرين، وذم الذي لا يصبر، وبيِّن أجور الصابرين عنده سُبحَانَهُ وَتَعَالى، وما أعد لهم من درجات.