الوقفة الثانية عشرة: التيمم في السفر

المسألة الثانية عشرة: التيمم: قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيباً} [النساء:43] فالتيمم في السفر والحضر وارد، لكنه لا يجوز في الحضر إلا إذا فقد الماء فلم يجده، أو كان مريضاً متضرراً لا يستطيع أن يتوضأ أو يغتسل، وكثير من الناس لا يفقه مسألة كيف يتيمم وهو يغسل بعض أعضائه.

إنسان فيه شجة في رأسه، وإذا اغتسل آذاه الماء في رأسه، ماذا يفعل؟ حكمه أن يغتسل في بقية جسمه، وأن يتيمم لهذه الشجة، وفي لفظ عند أبي داود يعصب عليها ويمسح على العصابة، ثم يتيمم لها، فمن كان فيه جرح في أعضاء الوضوء فليترك هذا الجرح وليتوضأ ولا يغسل يترك هذا المنطقة، ثم يتيمم بعد الوضوء تيمماً كاملاً.

والتيمم يكون في السفر؛ لأن الماء قليل في السفر، فعلى المسلم أن يتيمم في حالات: منها: إذا خاف على نفسه، حيث نزل في مكان وبجانبه وادٍ يعرف أن فيه ماء، ولكن يعرف أن هناك سباعاً ضارية وحيّات، وأن هناك أعداء، فله أن يتيمم في مكانه ولا يذهب إلى ذاك الوادي.

أو إنسان قام في الصباح وعنده ماء، وادٍ مسيل أو غدير كبير، وقام وإذا الماء أصبح قريباً من التثلج، وخاف على نفسه إذا توضأ واغتسل، فله أن يتيمم ويصلي ولو كان عليه جنابة، وقد دل على ذلك النصوص ظاهراً وباطناً، وتكلم فيها أهل العلم، إلا أن يكون عنده شيء من وقود أو حطبٍ فيسخن به الماء فهذا واجبه، لكن يقول ابن تيمية: إذا خاف أن يسخن الماء؛ فيخرج وقت الصلاة، فعليه أن يترك التسخين وأن يتيمم ويصلي ولا يعيد الصلاة؛ لأن إدراك الوقت واجب، أما هذا الفعل عند تحقق هذا الشرط فإنه يسقط بالعجز، قال تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286].

قال p=1000202>> عمرو بن العاص: {خرجت في سرية -هذا الحديث أصله في الصحيح، وذكره بطوله أبو داود، وهذه السرية هي غزوة ذات السلاسل، ولها أصل في كتاب الأدب المفرد للإمام البخاري فالرسول عليه الصلاة والسلام كان يتألف بعض الصحابة، ومن الأناس المهمين في الإسلام عمرو بن العاص، فأراد أن يتألفه رسول الهدى صلى الله عليه وسلم، فأمّره على سرية - قال: فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتوضأ لصلاة العصر، وقد أمرني على السرية -فأراد عمرو بن العاص أن يبري ساحته، أي: أنه لا يحب المال ولا يحب الإمارة- قال: فقلت: يا رسول الله! لا أريد المال، أريد الجهاد في سبيل الله، قال: فما أنسى تبسمه وهو يتوضأ صلى الله عليه وسلم، وقال: يا عمرو! نعم المال الصالح في يد الرجل الصالح} لأنه سوف يحصل في هذه الغزوة غنيمة، فلما خرج وصل إلى ذات السلاسل فسمع صلى الله عليه وسلم أن أعداءهم قد كثروا واجتمعوا عليهم، فأرسل جيشاً أميره أبو عبيدة وتحت إمرة أبي عبيدة أبو بكر وعمر وأناس من الصحابة، فلما وصلوا إلى عمرو بن العاص قال أبو عبيدة: أنا الأمير؛ لأن معي أكابر الصحابة أبو بكر وعمر، وأرسلني صلى الله عليه وسلم بعدك، قال عمرو بن العاص: والله لا يتأمر إلا أنا.

قال الذهبي: وكان أبو عبيدة حسن الخلق رضي الله عنه وأرضاه متواضعاً، فتنازل عن الإمرة، فتأمر على الناس عمرو بن العاص، فقام يصلي بهم الفجر-لأن الأمير كان هو الذي يصلي بالناس- فتيمم من الجنابة وصلى بهم وهو جنب، لأنه عندما قام من النوم ليغتسل وجد الماء بارداً لا يستطيع أن يستعمله فتيمم، فأتى إلى المدينة فسبقه الجيش إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فأخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فمن أول وهلة حكم الرسول صلى الله عليه وسلم على فعله هذا أنه صحيح، لكن أراد أن يستدعيه ليرى ماذا في ذهن عمرو، وكان عمرو رجلاً داهية ذكياً لبيباً كما يقول ابن عباس، يقول لـ علي: أجعلت أبا موسى رضي الله عنه قريناً لـ عمرو -ذكر هذا الذهبي في ترجمة عمرو - قال: لا تزنه بـ عمرو فإنه رجل باز قارح مارس داهية.

فلما دخل عمرو على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال صلى الله عليه وسلم وهو يتبسم: {يا عمرو! أصليت بأصحابك وأنت جنب؟ -فأتى عمرو يفتي بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم- قال: يا رسول الله! إن الله يقول: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة:195] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} [النساء:29] فتبسم صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئاً} والتبسم عند علماء الحديث معناه الإقرار، فإن الإقرار إما بالسكوت أو بالكلام أو بالتبسم، وقيل: الإقرار بالإشارة، وهذه مسألة مختلف فيها ويعاد فيها إلى المصطلح، فمن أشار إليه بيده هل هو إقرار أو لا؟

إنما هنا تبسم صلى الله عليه وسلم فأقره.

فمن حدثت له هذه الحالة وهو مسافر فعليه أن يتيمم ويصلي ولا عليه، سواء كان جنباً أم محدثاً.

بشرط أن يعلم الله عز وجل أنه متقٍ له وأنه لم يستطع أن يسخن الماء أو يحدث شيئاً، وإذا خاف أن يفوته وقت صلاة الفجر، وعلم أنه لن يسخن الماء أو يحضر الماء في ذلك الوقت، فليصلِّ بتيممه والله المستعان.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015