يسره عليه الصلاة والسلام في التعليم والتوجيه

يأتيه أعرابي فيصلي معه الصلاة - والحديث في الصحيحين - ويقرأ معه التحيات، فيرفع الأعرابي صوته في آخر التحيات، ويقول: اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً، السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله، الرسول صلى الله عليه وسلم يعرف من هو الأعرابي، من هو الذي قال هذه العبارة، لأن أبا بكر لن يقول هذا، ولا عمر، ولا أبي، ولا زيد، وهذا في الصف الأول، لكن أتظن الرسول- صلى الله عليه وسلم- يقول أنت قلت العبارة، لا، لا يواجه، يقول أبو سعيد كما في الصحيحين: {كان أشد حياء من العذراء في خدرها} حتى ذكروا عنه في السيرة: أنه ما كان يبده ببصره الإنسان، يعني: ما كان يشد نظره إليك، فإذا نظرت أنت إليه، خفض طرفه من الحياء قال الله: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4].

قال صلى الله عليه وسلم: {من قال آنفاً -كيت وكيت وتلا العبارة- فسكتوا، قال: من قال؟ فقال الأعرابي: أنا يا رسول الله! قال: لقد تحجرت واسعاً إن رحمة الله وسعت كل شيء} أي: فأين الملايين المملينة ممن يريدون جنة عرضها السماوات والأرض؟ وأين البشرى؟ وأين التسهيل؟ وأين الرحمة المهداة والنعمة المسداة التي حملها محمد صلى الله عليه وسلم؛ لينقذ الألوف المؤلفة من النار ومن العار والدمار؟ أبقى أنا وأنت فقط في الجنة وتصير الأمم في النار، كما يفعل بعض الناس حين يقول: من فعل كذا ففي النار، ومن فعل كذا فعليه لعنة الله، ومن فعل كذا غضب الله عليه، ومن فعل كذا فهو في جهنم، لم يقلها رسولنا أبداً عليه الصلاة والسلام، قام الأعرابي وبال في طرف المسجد؛ ضاقت عليه الدنيا بما رحبت إلا المسجد، قام الصحابة يريدون أن يبطحوه أرضاً.

كل بطاح من الـ ـناس له يوم بطوح

قال صلى الله عليه وسلم: {اتركوه} لأن المشكلة سهلة، ومعالجة الأخطاء بأخطاء أفدح عنف، والنار لا تطفأ بالبترول، إنما تطفئ بالماء، وإذا أردت أن تصلح الخطأ وتعنف، وتريد أن تؤدب حينها ينقلب القط أسداً، لو أغلقت على القط في البيت، وقمت تحارشه حوله الله من قط إلى هزبر، وهذا فعل الناس ولذا قال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ} [النحل:125] وقال: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت:34] استدعاه عليه الصلاة والسلام وأخبره وبين له، وأخذ ذنوباً من الماء وصبه على البول وانتهى، وعاد الأعرابي داعية إلى قبيلته فأسلموا عن بكرة أبيهم.

دخل معاوية بن الحكم -والحديث في مسلم - وهو لا يدري أن الكلام في الصلاة حرام، فقال: السلام عليكم ورحمة الله -والصحابة يصلون- فما ردوا، فعطس واحدٌ منهم، قال: يرحمك الله، فضربوا على أفخاذهم قبل أن يعلموا التسبيح، فقال: ويل أمي أأحدثت شيئاً! فلما سلم قال: {دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما رأيت معلماً قبله ولا بعده أرحم منه، وكان على كرسي من حديد، فعلمني وقال: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هي للذكر والتسبيح وقراءة القرآن} انتهى وصلاته صحيحيه، لأنه تكلم عن جهل، قال أهل الفقه: من تكلم بجهل أو ناسياً فصلاته صحيحة.

أيضاً: الدين أتى بما تفهمه العقول لا بما تحار فيه، وربما يأتي إنسان فيورد قضايا على الناس فتحار فيها عقولهم، قال عبد الله بن مسعود: [[]].

كثير من القضايا أرى أن طرحها ليس صحيحاً، وأن طرحها على الملأ ليس من الحق ولا من العدل، وكلام الخاصة للخاصة، وكلام العامة للعامة.

كان الإمام أحمد يقول للمعتصم كلاماً بينه وبينه لم يقله للناس، وقال للناس كلاماً يصلح للناس.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015