ما هي الأمور التي تعين المسلم على قيام الليل؟
وأما فضل قيام الليل، فمهما عدَّد المعدِّد، ومهما تكلم المتكلم عن فضله فإنه أكثر من أن يذكر، ومن أراد تربية نفسه وروحه وقيادة قلبه إلى الله عز وجل فعليه بقيام الليل، ولو بمقدار حلب شاة، وورد في مجمع الزوائد بأسانيد تفيد أنه حديث حسن: {لا بد من قيام بالليل ولو بقدر حلب شاه} فهذا الوقت الصغير القصير الذي يمكن أن يقوم الإنسان ولو قبل صلاة الفجر بدقائق، يمكنه من الدعاء المستجاب إن شاء الله؛ ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن الله ينزل في الثلث الأخير إلى سماء الدنيا، فيقول: هل من داعٍ فأستجيب له، هل من مستغفر فأغفر له، هل من سائل فأعطيه} فهذا هو وقت الإجابة وهو من أعظم الأوقات.
ومما يعين على قيام الليل: التقليل من الخطايا والذنوب؛ فإنها توبق العبد، وتقيده عن قيام الليل، وعن الأعمال الصالحة، قيل للحسن البصري: [[يا أبا سعيد! لا نستطيع القيام؟ قال: قيدتكم خطاياكم ورب الكعبة]] فعلى العبد أن يستغفر كثيراً قبل أن ينام، وأن يتوب إلى الله.
يقول ابن تيمية: للعبد أن يأخذ وِرداًً من الدعاء، وحبذا لو كان قبل النوم، يقول في المجلد العاشر، والحادي عشر: حبذا أن يكون قبل النوم ليكون كفارة لما أسرف به وفعله في نهاره، ولا بد من الذنوب والخطايا.
فعلى العبد أن يستغفر قبل أن ينام كثيراً، وأن يذكر الله لينام وهو تائب منيب، فإن توفاه الله كان من الخالدين الصالحين: {الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [الأحقاف:16] وإن كان من الباقين كتب الله أجر يومه، وغفر ذنوبه.
ومما يعين على قيام الليل: التسبيح ثلاثاً وثلاثين، والتحميد ثلاثاً وثلاثين، والتكبير ثلاثاً وثلاثين؛ فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أوصى بها علياً وفاطمة -رضي الله عنهما- فقال: {هما خيرٌ لكما من خادم} قال ابن القيم: يريد أنها في القوة مثل الخادم.
فهي مجردة تقوي العبد، وتجعل عنده نشاط وهمة، ومن يسر الله له الخير تيسر.
وكذلك أن ينام الإنسان مبكراً، وألاَّ يسهر كثيراً في غير طارئ إلا في مدارسة علم، أو في جلسة خير، أو قراءة القرآن وتدبره، وإذا علم أنه سوف يقوم لصلاة الفجر وتدبره، أما إذا علم أنه سوف تفوت عليه صلاة الفجر، فحرام أن يسهر هذا السهر، فليُعلم هذا.
وفي البداية والنهاية لـ ابن كثير قال ابن كثير: توفيت زبيدة زوجة هارون الرشيد، وأم الأمين، فرئيت في المنام، وزبيدة هذه هي التي أجرت عيناً في مكة، المسماة: عين زبيدة، فرئيت زبيدة هذه في المنام، فقال لها ابنها: ما فعل الله بك؟ قالت: كدت أهلك -أي: أُعَذَّب- فقال: وأين العين -عين زبيدة - وأجرها وثوابها التي أجريتِها للحجاج؟ قالت: ما نفعتني بشيء، كادت تهلكني تلك العين، قال: ولِمَ؟ قالت: ما أردت بها وجه الله فما نفعتني.
قال: وما نفعك إذاً؟ قالت: نفعتني رحمة الله، ثم إنه ما مرت عليَّ ليلة إلا أقوم في السحر، فأتوضأ ثم أقوم على شرفات القصر -قصر هارون الرشيد؛ لأنه خليفة وهي زوجته- فأنظر في السماء وأقول: لا إله إلا الله أدخل بها قبري، لا إله إلا الله أقضي بها عمري، لا إله إلا الله أقف بها في حشري، لا إله إلا الله يغفر بها ربي ذنبي.
فهذا العمل القليل نفعها أكثر من تلك العين، والمشروع الضخم الذي عد في التاريخ من أفضل المشاريع التي عرفتها الأمة، ما نفعها بشيء: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} [الفرقان:23] إن عملاً لا يراد به وجه الله لا ينفع صاحبه أبداً، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم كما أورده المنذري في الترغيب والترهيب: {يا معاذ! أخلص عملك يكفيك القليل} فإن المقلَّ مع الإخلاص يكفيه وهو من السابقين عند الله عز وجل، والمكثر بلا إخلاص لا ينفعه، كالذي يحمل الحجارة على ظهره فهو لم يستفد منها، ولم يسلم من حملها وثقلها، فليُعلم هذا.
نسأل الله عز وجل لنا ولكم التوفيق والهداية.