ويؤخذ من سنته صلى الله عليه وسلم أنه صلى على الراحلة، ويقاس على ذلك السيارة، فلك أن تصلي الوتر وأنت مسافر على سيارتك بعد أن تستقبل القبلة عند تكبيرة الإحرام، ثم لا بأس أن تتوجه وأنت تصلي في أي مكان وجهت بك سيارتك.
ويؤخذ من ذلك أن الوتر سنة، وأقل عدد ركعاته ركعة، وأكثره لا حد له.
وهل يجوز أن يصلي المسلم ركعة واحدة؟
أورد ابن حزم في المحلى وابن خزيمة ومحمد بن نصر المروزي وسعيد بن منصور في سننه أن كثيراً من الصحابة صلوا ركعة واحدة؛ منهم: معاوية وسعد بن أبي وقاص وعثمان رضي الله عنهم وأرضاهم.
فأما عثمان رضي الله عنه وأرضاه فورد أنه دخل الحرم، قال تميم الداري: [[كنت عند المقام -مقام إبراهيم عليه السلام- فدخل رجلٌ وهو متلثم، فدفعني وأخرني عن المقام ثم قام ففك لثمته فنظرت إليه فإذا هو أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه، فقام يصلي، فقرأ القرآن في ركعة من بعد صلاة العشاء إلى صلاة الفجر، ثم سلم والأذان يؤذن]].
ولذلك كان ابن عباس رضي الله عنهما إذا قرأ قوله تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} [الزمر:9] بكى وقال: [[ذلك عثمان بن عفان]] وقال حسان لما قُتل عثمان رضي الله عنه:
ضحوا بأشمط عنوان السجود به يقطع الليل تسبيحاً وقرآنا
وثبت أن عثمان انخرمت في يده أربعة مصاحف؛ من كثرة ما يقرأ، فأربعة مصاحف انخرمت أو تقطعت وتمزقت من كثرة ما يمسكها.
وهو على العموم أكثر من يقرأ القرآن من الصحابة الأخيار، حتى أنه كان يتوضأ ويصلي صلاة الفجر فيبقى والمصحف معه يقرأ حتى صلاة الظهر، وقال له بعض الصحابة: [[لو رفقت بنفسك يا أمير المؤمنين؟ قال: والله لو طهرت قلوبنا ما شبعنا من القرآن]] رضي الله عنه وأرضاه، فالشاهد: أنه صلى ركعة.
ومعاوية صلى العشاء ثم صلى ركعة وذهب لينام، فسئل ابن عباس وقيل له: [[إن معاوية صلى ركعة؟ قال: ذاك رجلٌ فقيه]] يعني: عنده فهم في الدين.
وصلى سعد بن أبي وقاص ركعة رضي الله عنه وأرضاه.
لكن الأولى والأحسن ألا تُتخذ عادة، وللمسلم أن يصلي ركعة واحدة، لكنه خلاف النصوص الوفيرة الكثيرة عنه صلى الله عليه وسلم: أن أقل الوتر ثلاث ركعات؛ لما روى أبو داود بسند جيد عن أبي أيوب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من أوتر بسبع فهو أفضل، أو بخمس، أو بثلاث} وهذا الحديث صححه ابن حبان والحاكم، فالثلاثة أقل الوتر، فمن شاء أن يوتر ويقلل فعليه أن يداوم على ثلاث ركعات، يقرأ في الأولى: سورة الأعلى، وفي الثانية: سورة الكافرون، وفي الثالثة: سورة الإخلاص؛ والدليل على ذلك حديث أبي بن كعب رضي الله عنه وأرضاه، وهو صحيح عند النسائي قال: {كان صلى الله عليه وسلم يصلي الوتر ثلاث ركعات يقرأ في الأولى: بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى:1] وفي الثانية: بـ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون:1] وفي الثالثة بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] لا يسلم إلا في آخرهن} ففي هذه الرواية، أي: رواية النسائي والحاكم عن عائشة: لا يفصل بينهن.
وقال: محمد بن نصر المروزي في كتاب الوتر: يفصل بين الوتر، ولم ينقل في حديثٍ صحيحٍ أنه يوصل بين الوتر، قال ابن حجر: بل يوصل بينها، ومن صلاها كالمغرب، فجائز له ذلك.
أما حديث أُبَي الذي أسلفت في سنن النسائي أنه يقول: {لا يسلم إلا في آخرهن} فلكم أن تراجعوه في الصفحة (481) من فتح الباري المجلد الثاني.
فهذا -بارك الله فيكم- هديه صلى الله عليه وسلم، أو ما قاله في الوتر؛ لكنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي الوتر إحدى عشرة ركعة، تقول عائشة في صحيح مسلم: {ما زاد صلى الله عليه وسلم في رمضان، ولا في غير رمضان على إحدى عشرة ركعة، فإذا فاتته من الليل صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة}.
ففي هذا دليل على أن التراويح السُّنَّة فيها، والأَولى والأفضل أن تُصلى إحدى عشرة ركعة، ومن زاد فلا بأس، ومن صلى ثلاث عشرة ركعة، أو إحدى وعشرين، أو ثلاثاً وعشرين، أو زاد فلا بأس، لكن الأَولى والسُّنَّة هي هذه وهي التي وردت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم.
ما يقرأ فيه؟
ذكرنا لكم أنه يقرأ فيه بِسُوَر: الأعلى، والكافرون، والإخلاص.