توسط أهل السنة بين أهل الشهوات وأهل التصوف

وتوسط أهل السنة بين أهل الشهوات البهيمية، وأهل التصوف.

والعالم الآن -حتى العالم الإسلامي- ثلاثة أقسام:

القسم الأول: أهل اعتدال في حياتهم.

القسم الثاني: أهل عبادة شهوانية بهيمية.

القسم الثالث: أهل تصوف مذموم.

أما أهل الشهوات البهيمية فرجل لا يعبد إلا بطنه وفرجه، حياته كأس وبلوت، ومجلة خليعة، وأغنية ماجنة، وسهرة حمراء وعربدة وسفر إلى غير ما يرضي الله عز وجل، وانهيار في الخلق.

وحياته أكل وشرب ولهو، وما عنده من الإسلام شيء، بل هو كما يقول بعض العلماء: كجفاة الأعراب لا يفهم من الدين إلا مجمل العقيدة، فيفهم لا إله إلا الله إجمالاً، لكن لو سألته في سيرة محمد عليه الصلاة والسلام أو في بدر أو أحد أو في سيرة الخلفاء الراشدين، أو في تفسير آية؛ فإنه لا يعرف منها شيئاً أبداً، فحياته فقط حياة ظاهرة، قال تعالى: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا} [الاحقاف:20] وقال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ} [محمد:12] وقال تعالى: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [الحجر:3].

ويقول أحد الشعراء:

لا بأس بالقوم من طول ومن قصر أجسام البغال وأحلام العصافير

قال تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} [المنافقون:4] فيتعب جسمه لجسمه، ويتعب بطنه لبطنه، ويتعب شهواته لشهواته، والله إن أحدهم يهتم بقضية سيارته ووظيفته ومنصبه أكثر من اهتمامه بالإسلام، بل الإسلام في آخر القائمة!! فقضية التحمس للدين في آخر القائمة، لا يلقي لها بالاً ولا يعد لها حسباناً أبداً:

يا متعب الجسم كم تسعى لراحته أتعبت جسمك فيما فيه خسران

أقبل على الروح واستكمل فضائلها فأنت بالروح لا بالجسم إنسان

وقابلهم طائفة تطرفوا -طائفة التصوف- فقتلوا النفس، فلا ينامون كما ينام الناس، سهر متواصل، ولا يأكلون الطيبات، وقد ذكر ابن الجوزي أعاجيبهم ومن يطالع كتاب إحياء علوم الدين للغزالي يجد العجائب، يقول أحدهم: والله الذي لا إله إلا هو ما أكلت الرطب أربعين سنة، فهو يمتدح نفسه بهذا، فهل الرطب حرام؟! ومن حرمه؟ هل في كتاب الله عز وجل تحريم للرطب أو الأرز أو اللحم؟ لا.

{وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف:157] فهذا ليس وارداً، لكن أهل التصوف قتلوا النفس، ويرى الغزالي وأمثاله أن هذا هو المسلك الطيب.

قال: فلان ما صلى الفجر أربعين سنة إلا بوضوء العشاء، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {إني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر} قالوا: الحمد لله، فلان ما تزوج في حياته، قال: {وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني}.

جاء تلميذ إلى الإمام أحمد ممن أثرت عليه مدرسة التصوف، فقال لـ أحمد: هل الزواج أفضل أو تركه؟ قال الإمام أحمد: الزواج أفضل، قال: إبراهيم بن أدهم ما تزوج، قال الإمام أحمد: أوَّه، وقعنا في بنيات الطريق! يقول الله: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً} [الرعد:38] فسنته عليه الصلاة والسلام هي المتبعة.

يقول الخطابي في كتاب العزلة: أحد المتصوفة أخذ لاصقاً فوضعه على عينه اليسرى، فقال له الناس: مالك؟ قال: إسراف أن أنظر إلى الدنيا بعينين، والله عز وجل يقول: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد:8 - 10] هذا موجود عند الخطابي - أبو سليمان - قال: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ) [البلد:8] فهذه نعمة، وهو يقول: إسراف أن ننظر بعينين، وأتوا بعجائب أخرى.

فتوسط أهل السنة فقالوا: نتوسط بالنعم، فنأكل الطيب ونلبس الطيب، ونتجمل بجمال الله، بدون إسراف ولا مخيلة، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة:172]} لكن نشكر بها الله، بلا إسراف ولا مخيلة، ولا كبر ولا رياء، ويرى أهل السنة أن ننام ونقوم، فلا يُقام الليل كله، وقد نص كثير من العلماء بهذه الفتوى، ولا يُصام الدهر كله، وهو الصحيح، ولا يترك الزواج، وهو الصحيح، بل الأفضل الزواج، بل بعض العلماء يوجبه إذا وجد موجب هذا.

أهل السنة وسط بين أهل الشهوات البهيمية وأهل التصوف، فهم الذين هداهم الله سواء السبيل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015