أهل السنة وسط بين الخوارج والمرجئة.
وبين الرافضة والنواصب.
وبين القدرية والجبرية.
وبين المجسمة والمعطلة.
ووسط بين أهل الرأي البحت وأهل الظاهر الصرف.
وبين أهل الشهوات البهيمية وأهل التصوف.
ووسط بين المفوضة والمؤولة.
ووسط بين الجفاة والغلاة.
ووسط في الأخلاق والعبادة.
ووسط في الجرح والتعديل.
لكن قبل أن أبدأ، لا بد أن أشرح بعض الجمل والكلمات.
ما معنى الخوارج ومن هم؟
الخوارج: طائفة خرجت، أول ما نبتت نابتتها في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، وأولهم إمامهم وشيخهم ذو الخويصرة، الذي قال عنه العلماء: هو الذي بال في المسجد، فمن حسناته أنه بال في مسجده عليه الصلاة والسلام، وبعض أهل السير يقولون: هو الذي صلى مع الرسول عليه الصلاة والسلام في المسجد وقال: {اللهم ارحمني ومحمداً، ولا ترحم معنا أحداً} ثم بال في المسجد وقصته معروفة، وهو الذي قال كما في الصحيح: {لما قسم الرسول عليه الصلاة والسلام الغنائم قال: اعدل يا محمد} فيقول هذا للرسول صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم: {خبتَ وخسرتَ، من يعدل إذا لم أعدل؟!} وفي لفظ مضبوط صحيح: {خِبتُ وخَسرتُ إذا لم أعدل} أي يقول: إذا لم أعدل هلكتُ، وعلى الرواية الأولى: خبت أنت وخسرت، إذا لم أعدل فمن يعدل؟! من يعدل من حكام الأرض وزعماء الأرض وقضاتها وعلمائها إذا لم يعدل أشرف أهل الأرض عليه الصلاة والسلام؟!
فقال عمر: {يا رسول الله! ائذن لي أقتل هذا -كان سيف عمر جاهزاً- فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: يا عمر! يخرج من ضئضئ هذا قوم تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم، وقراءتكم إلى قراءتهم، وصيامكم إلى صيامهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية} وفي رواية مسلم: {لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد} وبالفعل أدركهم أبو الحسن علي رضي الله عنه، فقتل منهم أربعة آلاف في النهروان.
فهم الخوارج، خرجوا على إمام العدل والحق، رضي الله عنه وأرضاه، وقالوا بمسائل خالفوا بها أهل السنة، منها:
لا يأخذوا من السنة إلا ما وافق ظاهر القرآن، فأكثر السنة يعطلونها.
والخوارج يرون أن الحاكم إذا ارتكب الكبيرة يخرج عليه ولا طاعة له، وهذا خلاف أهل السنة، فإن أهل السنة يرون الصلاة وراء الأئمة والجهاد معهم ولو ارتكبوا الكبائر ما لم يكفروا بالله، لحديث مسلم: {إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان}.
والخوارج يرون أن صاحب الكبيرة كافر ومخلد في النار، فالسارق عندهم كافر، والخليلي له كتاب وهو ما زال حياً وكتابه ينص على ثلاث مسائل -هو من الإباضية - ينفي رؤية الله في الآخرة، ويرى أن القرآن مخلوق، ويرى أن صاحب الكبيرة كافر، وكتابه موجود ومشهور.
فهذه نبذة عن الخوارج، ولا أريد الإطالة.
المرجئة من هم؟
المرجئة: قوم يرون أن الإيمان قول واعتقاد بلا عمل، سواء صليت أو لم تصل، زكيت أو لم تزك، صمت أم لم تصم، فأنت وأبو بكر سواء في الإيمان، فيقولون: ما دام حصل الإيمان وآمنت بالله عز وجل ووصل الإيمان إلى قلبك فيكفي، ولهم أدلة لكن ما فهموها، فهذه المرجئة.
وتوجد طائفة أخرى أرجئوا، وهم الذين أرجئوا علياً وعثمان وقالوا: لا نحكم بكفرهم ولا بإيمانهم، فيقولون في علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان: لا ندري هم في الجنة أو النار، ومن وراءهم قالوا: لا ندري ونكل علمهم إلى الله، ونحن نقول: لا والله، بل هم من أهل الجنة، ومن العشرة المبشرين بالجنة، ومن أولياء الله وأحباب رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد توفي صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راضٍ.
والقدرية يقولون: لا قدر، فيقولون: كل شيء يقع في الكون لا يعرفه الله إلا بعد أن يقع، وهم على طائفتين، الاولى تقول: لم يسبق تقدير شيء، فيقولون مثلاً: إذا حصل بركان لم يقدر الله البركان إلا بعد ما وقع، فلا قدر والأمر أنف، ومنهم من ينفي العلم.
قال ابن تيمية: من نفى علم الله السابق كفر، وأما من نفى التقدير فمبتدع بهذا، لأن منهم من يقول: لا يعلم الله حتى يقع!! فمن يقول هذا فهو كافر.
ومنهم من يقول: يعلم الله عز وجل لكنه ما كتب، فهو يعلم أنه سوف يقع البركان أو الزلزال في المكان الفلاني، لكن لم يكتب ولم يقدر، إنما علم سُبحَانَهُ وَتَعَالى فقط.
والجبرية يقولون: العبد مجبور على المعصية، ولذلك الجبرية يجعلون آدم جبرياً وموسى قدرياً، في حديث التقاء موسى مع آدم في الحديث الصحيح في البخاري ومسلم، قال عليه الصلاة والسلام: {تحاج آدم وموسى} وفي لفظ: {احتج آدم وموسى} يقول ابن الجوزي محتاراً: لا ندري أين التقوا، وابن حجر ذكر سبعة أقوال أو ثمانية منهم من يقول: في القبر، ومنهم من يقول: في البرزخ، ومنهم من يقول: في السماء، والذي يظهر أنهم التقوا في السماء فالتقى الابن مع الوالد الشيخ، مع آدم عليه السلام، وموسى كان جريئاً، حتى يتعجب أهل العلم من جرأته، حيث كان يتكلم بجرأة، فقد أعطاه الله المكالمة التي ما أعطاها أحداً من الناس، فلم يكلم الله أحداً من الناس إلا موسى، فلما كلمه الله وبلغ منزلة التكليم، قال: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} [الأعراف:143] يقول: ما دام كلمتني أريد أن أراك، قال: {لَنْ تَرَانِي} [الأعراف:143] وقالوا: أنه لما رأى فضائل الأمة قال: يا رب بعثت غلاماً بعدي جعلت أمته أفضل من أمتي، إلى غير ذلك مما قيل، وهو الذي تكلم مع الرسول صلى الله عليه وسلم في الصلاة، وقال: {عد إلى ربك فإن أمتك لا تستطيع ذلك} فعاود رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه وحاوره، حتى خفف الله عن الأمة فجزاه الله عنا خير الجزاء، فإنه قد أحسن كل الإحسان معنا، وتلطف مع رسولنا صلى الله عليه وسلم حتى خفف الله عنا.
قال: فلما التقوا {قال موسى -فهو يبدأ بالكلام وقد لقي آدم الشيخ وبينهم مئات السنين بل آلاف-: أنت آدم أبونا؟ قال: نعم.
قال: أنت الذي خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه؟ قال: نعم.
قال: خيبتنا وأخرجتنا من الجنة} -قال: أنزلتنا في الأرض نعصي ونتضارب، ونتقاتل ونتحارب، ونسفك الدماء ثم نحاسب، وبعضنا يدخل الجنة وبعضنا يدخل النار، لماذا ما بقيت في الجنة؟ لماذا نزلت؟
{قال آدم عليه السلام: أنت موسى؟ -موسى بن عمران لأن موسى يختلف كثيراً ويريد أن يميزه- قال: الذي بعثك الله في بني إسرائيل؟! وكتب لك التوراة بيده سُبحَانَهُ وَتَعَالى؟! قال: نعم.
قال: بكم وجدت في التوراة كتب الله عليَّ المعصية قبل خلقي -الأكل من الشجرة- قال: بأربعين سنة -أي: وجدت أن الله كتب على آدم قبل أن يخلقه بأربعين عاماً أنه يأكل من الشجرة -قال: أفتلومني على شيء كتبه الله عليَّ؟! -والآن يتدخل الرسول عليه الصلاة والسلام- قال: فحج آدم موسى} يعني غلبه، والجبرية يقولون فحج آدم موسى وينصبون آدم فيكون مفعولاً به، يعني هو المغلوب، كقراءة قوله تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ} [البقرة:124] وهذا خطأ بل حج آدمُ موسى، أي غلبه، عليهم السلام جميعاً.
المجسمة والمعطلة:
المجسمة: قوم منهم مقاتل بن سليمان، الذي وصف الله كوصف المخلوق تماماً، فقالوا: الله مثل الإنسان -تعالى الله- يقول: ينزل كنزولنا وله أيد كأيدينا، وسمعٌ كأسماعنا، وبصرٌ كأبصارنا، والمعطلة قوم قالوا: لا سمع ولا بصر ولا صفات ولا أسماء، فجردوا الله من أسمائه وصفاته.
أهل الرأي البحت: قوم أخذوا آراء الرجال وتركوا الحديث، فلا يفتون دائماً إلا بالرأي فقط، فتجدهم يقولون: يجوز ولا يجوز وهذا مباح والأمر محرم أرى أنه لا يجوز لكن لا آية ولا حديث، لا رواه البخاري ولا رواه أبو داود.
وأهل الظاهر: قوم أخذوا الحديث وجمدوا عليه وتركوا القياس وما فهم الناس، إلى غير ذلك