الأخطاء التي وقع فيها إخوة يوسف

وعادوا والذي يظهر من القصة أنهم أخطئوا في ثلاثة مواقف:

الأول: أنهم استعجلوا في التنفيذ فلو كادوه في غير هذا اليوم وعادوا به في ذلك اليوم ليطمئن أبوه، ولكن من أول يوم يأكله الذئب! ما هذا الذئب الذي ينتظر يوسف في الصحراء، وكأنه يرصد متى يخرج يوسف في تلك الساعة ثم يعدو عليه؟!

والأمر الثاني: أنهم أتوا بثوبه وهم قد خلعوا قميصه، ولم يمزقوه، والذئب لا يعرف خلع القميص، وفك الأزرار، وإنما يفك الثياب تمزيقاً، فهم خلعوا الثوب ولفوه بدم شاة.

الأمر الثالث: أنهم قالوا لأبيهم عندما جاءوا إليه: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} [يوسف:17]

كاد المريب أن يقول خذوني.

فهم يقولون: لن تصدقنا، وهذا علامة على أن في الأمر شيئاً.

ولكن ماذا فعل يوسف؟ أظلم عليه الليل، قال أهل العلم: أنزل الله عليه جبريل يسكنه تلك الليلة، وأخبره أنني معك أسمع وأرى، فلا تفتر لسانك من ذكري، فإني جليس من ذكرني، فبدأ يوسف عليه السلام يذكر الله، فلما استأنس قال: يا جبريل! استأنست بجلوسي مع الله فإن شئت فاذهب، فأوحى الله إلى يوسف: {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} [يوسف:15] سوف تمر الأيام ونخبرهم بصنيعهم هذا.

ولماذا أتوا عشاءً ولم يأتوا في المغرب أو العصر؟ أولاً: ليظهروا أنهم تأخروا في مصارعة الذئب، وملاحقته فتأخروا حتى أتوا في العشاء.

والأمر الثاني: لئلا يرى أبوهم الدم في النهار فيميز بين دم الإنسان والشاة، وانظر إلى المكيدة أتوا يتباكون، وجاءوا إلى أبيهم ولم يذهبوا إلى بيوتهم، وإنما تركوا كل شيء وعمدوا إلى أبيهم وهو في البيت عليه السلام وهم يبكون، قال: ماذا حدث؟ يا لله ما هذه الرحمة التي أبكتهم!! ما هذه الدموع الحارة على فراق يوسف عليه السلام، فسألهم ما الخبر؟ قالوا: إنا ذهبنا نستبق -تجارينا وتسابقنا- وتركنا يوسف إشفاقاً عليه عند متاعنا، فأكله الذئب، وهذا التعليل لأنه أخبرهم وقال: أخاف أن يأكله الذئب: {قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} [يوسف:17] والدليل على ذلك هذا الثوب، وهذا دمه، فقد أتوا بدم شاة على الثوب، فأخذه عليه السلام وهو يبكي ويقلب الثوب، {وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف:18] قال ابن تيمية رحمه الله: الصبر الجميل: الذي لا شكوى فيه، والصبر الجميل: الذي لا يظهر فيه الفقر والمسكنة لغير الله، والصبر الجميل: أن تتجمل أمام خلق الله.

قيل لأحد العباد: ما هو الصبر الجميل؟ قال: أن يقطع جسمك قطعة قطعة وأنت تتبسم، وقال آخر: الصبر الجميل: أن تبتلى وقلبك يقول: الحمدلله.

ثم تولى يبكي حتى ابيضت عيناه.

وفي بعض الآثار: أن الملائكة بكت لبكاء يعقوب عليه السلام، وكان أبو بكر رضي الله عنه يقرأ سورة يوسف في صلاة الفجر فإذا بلغ قوله تعالى: ((فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} [يوسف:18] بكى وبكى الناس معه.

وافترق يوسف ويعقوب عليهما السلام أربعين سنة، واستوحش الفراق وخلا الدار، وعاد يعقوب منكساً رأسه ولسان حاله يقول في فراق ابنه:

بنتم وبنا فما ابتلت جوارحنا شوقاً إليكم ولا جفت مآقينا

نكاد حين تناجيكم ضمائرنا يقضي علينا الأسى لولا تأسينا

إن كان قد عز في الدنيا اللقاء ففي مواطن الحشر نلقاكم ويكفينا

وللحديث بقية أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015