روى البخاري وغيره في الصحيح وزاد الإسماعيلي في روايته: {أن الرسول صلى الله عليه وسلم -سيد المتوكلين- خرج إلى الصحراء في غزوة يجاهد في سبيل الله, وفي الظهيرة تفرق أصحابه تحت الشجر ينامون، كل وضع رداءه لينام, وأخذ صلى الله عليه وسلم الشجرة الكبيرة فنام تحتها وخلع ثوبه وعلقه في الشجرة وبقي في إزار، فلما نام عليه الصلاة والسلام -ولكن كما يقول شوقي:
وإذا العناية لاحظتك عيونها نم فالحوادث كلهن أمان
أي: إذا لاحظتك عناية الله فنم ملء عينك, ونم ملء جفونك ولا تخف {نام صلى الله عليه وسلم فأتى مشرك من المشركين فاخترط سيف الرسول عليه الصلاة السلام صلتاً بيده, وأيقظ الرسول عليه الصلاة والسلام, والرسول صلى الله عليه وسلم مضطجع أمامه، فيقول المشرك: من يمنعك مني؟ قال: الله! فاهتز المشرك خوفاً ورعباً وسقط السيف من يده, فأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم السيف وأجلس المشرك، وقال له: من يمنعك مني؟ قال: لا أحد، كن خير آخذ، قال: عفوت عنك} فأسلم الرجل ودعا قبيلته للإسلام فأسلموا عن بكرة أبيهم.
يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في حديث قدسي يصححه بعض العلماء: {وعزتي وجلالي ما اعتصم بي أحد فكادت له السماوات والأرض إلا جعلت له من بينها فرجاً ومخرجاً، وعزتي وجلالي ما اعتصم بغيري أحد إلا زلزلت الأرض من تحت قدميه} فالذين يتصلون بغير الله جبناء وسفهاء, ولا يملكون شيئاً حتى ولو خططوا وملكوا ورصدوا ولو حاولوا فالقدرة قدرة الله, اسمع إلى الله تعالى وهو يقول: {أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ * أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [الزخرف:79 - 80].
يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لرسوله عليه الصلاة والسلام ولكل مسلم: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ} [الفرقان:58] لأن الله لا يموت أما سواه فيموت، الأنداد, والأضداد, والهيئات, والمنظمات, والكيانات كلهم يموتون، والمطلوب منا ألا نخف إلا من الله، قال بعض المفسرين: إذا أردت أن تكون أشجع الناس فلا تخف إلا من الله, ومن خاف من غير الله, خوفه الله من كل شيء، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران:159].
وقال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال:2] والتوكل فسره أهل العلم فقالوا: أن تفوض أمرك إلى الله، كما فعل موسى عليه السلام, أتى إلى البحر والعدو من ورائه فقال بنو إسرائيل: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} [الشعراء:61] قال موسى: {كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء:62].
وكما فعل عليه الصلاة والسلام في الغار يوم قال لـ أبي بكر: {لا تحزن إن الله معنا} فنجاه الله.
وكما فعل الصالحون من الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام ويفعله الدعاة دائماً، أن تفوض أمرك إلى الله, قال تعالى: {وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَاد * فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا} [غافر:44 - 45].
وقال تعالى: {وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} [فاطر:43].
ويقول تعالى: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال:30].
وقال تعالى: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء:142].
ويقول تعالى أيضاً: {فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل:26].
لا تهولنكم الأنظمة الكافرة, والكيانات الصادة عن منهج الله, ولو عظمتها أجهزة الإعلام, ولو ذكرت قواها, فإنها تبور أمام قوة الواحد الأحد.
ورأيت ابن تيمية شيخ الإسلام رحمه الله ذكر دعاء موسى عليه السلام في سيناء يوم سجد وقال: "اللهم إليك المشتكى, وأنت المستعان, وعليك التكلان, ولاحول ولا قوة إلا بك".
وذكر الإمام أحمد في كتاب الزهد أن موسى عليه السلام يوم أن كشف الغطاء عن البئر، ثم عاد إلى الظل قال: يا رب مريض فقير غريب جائع -موسى فيه أربع صفات هي: أنه فقير، ومريض، وجائع وغريب- فأوحى الله إليه: يا موسى! الفقير من لم أكن أنا مغنيه، والمريض من لم أكن أنا طبيبه، والجائع من لم أكن أنا مطعمه، والغريب من لم أكن أنا مؤنسه.
وقال ابن القيم في الفوائد: "من توكل على الله أكسبه عشيرة بلا عشيرة".