والعداء بين الناس على قسمين:
قسم بحق، وهو عداء أهل الباطل مع أهل الحق، لا أقصد أنه حق لهم لكنها عداوة للحق، فحق أن يعادى أهل الباطل: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً} [الفرقان:31] {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} [البقرة:251].
فلا يأت أحد ويقول: لا تغتابوا إسرائيل في المجالس, وإذا قيل له: قاتل الروس، قال: لا أقاتل الناس, أحب الرحمة للناس وللبشر، فهذا مذنب مخطئ غلط غلطاً بيناً، بل يحمل السلاح ويجاهد فهو مأجور، لكن على أعقاب المسلمين تجده متهتكاً فارساً.
دخل رجل على محمد بن واسع فاغتاب مسلماً قال: مهلاً قاتلت الروم؟ قال: لا.
قال: يسلم منك الروم ولا يسلم منك المسلمون.
وأما العداء في الباطل: فعداء المؤمنين بعضهم لبعض، وهذا يحصل؛ لكن على المؤمن أن يصلح وأن يكظم الغيظ وأن يحسن: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:134] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف:199] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت:34].
وعلي رضي الله عنه في معركة الجمل لما رأى طلحة مقتولاً مسح التراب وقبله وقال: [[يعز عليَّ -يا أبا محمد - أن أراك مجندلاً على التراب، لكن أسأل الله أن أكون أنا وإياك ممن قال الله فيهم: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر:47]]].
فلا بد من شيء بين المؤمنين, حتى بين الدعاة والعلماء تجد من به غل لكن ينزعه الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يوم القيامة فيتكلمون وهم أصفياء إخوان أصدقاء أحباء, وهذا لا يكون إلا في الجنة، وفي الدنيا لا بد أن يسود الإخاء.
يقول أبو تمام في مسألة الدين والإسلام:
إن كيد مطرف الإخاء فإننا نغدو ونسري في إخاء تالد
أو يختلف ماء الغمام فماؤنا عذب تحدر من غمام واحد
أو يفترق نسب يؤلف بيننا دين أقمناه مقام الوالد
فنسبنا نسب الدين.