الرجيم: الرجم هو القتل واللعن والطرد والشتم، فرجم فلاناً بكلمة، أي: شتمه، ورجمه بحجر، أي: رماه وقذفه بحجر، رجمه فقتله، أي: قتله، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عن قوم نوح: {لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ} [الشعراء:116] أي: من المقذوفين أو من المقتولين بالحجارة.
وقال أبو إبراهيم لابنه: {لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ} [مريم:46] فهذا الرجيم.
والرجيم هنا معناه: المطرود الملعون، فهو مطرود من رحمة الله فلا تدركه رحمة الله.
وقيل: مشتوم من الناس فالناس يشتمونه، وقيل: مقتول بالأعمال والصالحات؛ فإن العبد إذا سجد تنحى إبليس وبكى وقال: يا ويلتاه! أمر بالسجود فسجد وأمرت بالسجود فعصيت.
ولا رئي الشيطان -كما في الصحيح- يوماً أغيظ ولا أدحر ولا أبعد من يوم عرفة لاجتماع الناس.
والشيطان يغيظه أمور أربعة: منها قيام الناس في الصفوف وقت الصلاة، إذا قاموا في الصلاة صفوفاً فهو أغيظ للشيطان من كل شيء، ولذلك الذين ينادون بجواز الجماعة في البيوت، وأن جَوز هؤلاء الصلاة في البيوت فهم يرضون الشيطان ويغضبون الرحمن.
ومما يغيظ الشيطان قيام المجاهدين صفوفاً في سبيل الله، إذا شهروا السيوف وأشرعوا الرماح وأراشوا الأسهم واستقبلوا وجه الله عز وجل فهذا يغيظه غيظاً كبيراً.
ويغيظ الشيطان إذا جلست مع المصحف وقرأت وذكرت الله.
ويغيظه دروس العلم ومجالس الخير وحلق الذكر فيموت غيظاً، أغاظه الله ولعنه وشرده.
وموقفك من الشيطان أن تستعيذ، واللعن وارد لكنك لست دائماً مضطر لأن تلعن.
وكثير من الناس إذا غضب في المجلس، قال: لعن الله الشيطان!
وهذا صحيح لكن قل: أعوذ بالله من الشيطان؛ لأنه يتكبر إذا لعنته حتى يصبح كالجبل، وهو ملعون، لكن من السنة أن تقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وإذا نسيت شيئاً قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، تقول كلمة غير صحيحة قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فالسائد بيننا والواجب أن نكرر دائماً أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ لأنه يتكبر من اللعن والشتم.
و"أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" ليست بآية من القرآن، ويجوز قراءتها في الصلاة قبل القراءة سراً ولا يجهر بها بالإجماع، فتقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بعد الاستفتاح.
وسوف نصل إلى البسملة فيما يأتى -إن شاء الله- وما قرب، ونواصل -إن شاء الله- في التفسير لأن البخاري وصل إلى كتاب التفسير، واستفتح صحيحه بحديث أبي سعيد بن المعلى، قال: {كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فدعاني وأنا أصلي فلم أنصرف إليه، فلما انتهيت قال: لماذا لم تجبني؟ أما يقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال:24] لأعلمنك أعظم سورة من القرآن قبل أن أخرج، فأخذ بيدي فلما أردت أن أخرج، قال: هي الحمد لله رب العالمين}.
وهذا الحديث أورده البخاري، ولكن صحيح البخاري وحده لا يكفي في التفسير؛ لأنه لم يختر إلا نبذاً وشذرات وثمرات من الأحاديث الصحيحة، فلابد من التفسير، ومن كان له وجهة نظر أو نصيحة أو إرشاد إلى طريقة التفسير؛ لنعيش مع القرآن ونحلق مع القرآن وليكن كتابنا وسميرنا وأنيسنا القرآن.
وأدعوكم ونفسي من هذه اللحظة إلى العودة إلى المصحف، فيكون معك في كل مكان أنيسك وسميرك، لاتدخل وتجلس في بيتك إلا وقد قرأت آيات، ولا تقم في الصباح بعد الفجر إلا وقد فتحت مصحفك، وتتدبر منه وتعود إليه، وتأخذ حروزك من القرآن وأذكارك وأدعيتك الصباحية والمسائية.
وانظر إلى الجمال في القرآن، فإن القرآن عجيب جد عجيب لمن تذوقه، وقبل أن تقرأ القرآن عليك بأمور ذكرها النووي في كتاب التبيان في آداب حملة القرآن منها:
أن تتوضأ وتكون طاهراً، وأن تتساك، وتتطيب، وأن تستقبل القبلة ولم أعلم في ذلك حديثاً، وأن تتدبر ما تقول، وأن تقرأه بتمهل وترسل، ثم تعيش مع القرآن فإنك سوف تجد الجمال والروعة والإبداع.
آنس الله قلبي وقلوبكم بالقرآن، وهدانا الله بالقرآن، ووفقنا الله بالقرآن، وفتح الله علينا بالقرآن، وأرشدنا الله سواء السبيل بالقرآن، وعصمنا الله من الذنوب والخطايا بالقرآن، وشرح الله صدورنا بالقرآن، وجعل الله طريقنا إلى الجنة بالقرآن.
اللهم إنا نسألك أن تجعلنا ممن أقام حدود القرآن وحفظ حروفه، اللهم اجعلنا ممن يتلوه آناء الليل وأطراف النهار، يعمل بمحكمه ويؤمن بمتشابهه، ويكل ما لا يعلم إلى عالمه.
اللهم اجعلنا ممن قاده القرآن إلى الجنة، ولا تجعلنا ممن أخذه القرآن فقذفه في النار.
اللهم اجعلنا من حملة القرآن العاملين بالقرآن، التالين للقرآن، المصدقين للقرآن، المنفذين لأحكام القرآن، اشرح به صدورنا، وأذهب به همومنا وأحزاننا، ووفقنا به لكل خير.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.